وقد طبعت الكتب الأولى على قوالب خشبية، وأول ما وصل إلينا من نبأ عن هذا العمل ما ورد في رسالة صينية كتبت حوالي ٨٧٠ م. فقد جاء فيها:"حدث وأنا في سشوان أن فحصت في حانوت وراق كتاباً مدرسياً مطبوعاً عن أصل خشبي"(١٣). ويلوح أن فن الطباعة كان قد تقدم تقدما كبيراً في الوقت الذي عثر فيه على هذا الخطاب. ومن الظريف أن نلاحظ أن هذا التقدم حدث أولا في الولايات الغربية مثل سشوان والتركستان- وهي الولايات التي دفعها في تيار المدينة المبشرون البوذيون الذين جاءوا من الهند والذين كانت لهم من عهد بعيد ثقافة خاصة مستقلة عن ثقافة العواصم الشرقية. ثم دخلت طريقة الطبع بالقوالب إلى الولايات الشرقية في أوائل القرن العاشر حين أقنع فنج - دو أحد رؤساء الوزارات الإمبراطور أن يخصص بعض المال لطبع أمهات الكتب الصينية القديمة. وتطلب القيام بهذا العمل عشرين عاما، وكان مقدار ما طبع منها مائة وثلاثين مجلداً، وذلك لأن المطبوع لم يكن مقصورا على نصوص هذه الكتب بل شمل أيضاً أشهر شروحها. ولما أن تم طبع هذه الكتب انتشرت في البلاد انتشاراً واسعاً كان سبباً في إحياء المعارف القديمة وتقوية دعائم العقائد الكنفوشية في عهد الملوك من أسرة سونج.
وكان صنع الأوراق النقدية من أقدم ما أخرجته الطباعة بالقوالب. وقد ظهرت هذه الأوراق أولا في سشوان في القرن العاشر الميلادي ثم أصبحت عملا هاما من أعمال الحكومة الصينية؛ ولم يكد يمضى على اختراعها قرن من الزمان حتى أدت إلى تجارب في التضخم المالي، واتبعت بلاد في عام ١٢٩٤ م هذه الطريقة الجديدة من طرق خلق الثروة. وقد وصف ماركو بولو في عام ١٢٩٧ في دهشة بالغة ما يظهره الصينيون من تقدير لهذه القصاصات من الورق. أما أوربا فلم تعرف النقود الورقية إلا في عام ١٦٥٦ حين أصدرت أولى عملتها منها (١٤).