ضد غرائزه وفطرته وأذواقه … إن الناس في حاجة إلى التيقن … أن الغالبية من الناس وبخاصة النساء (وخيالهن ضعف خيالنا) لا يمكن أن يكونوا "لا إداريين"، وإن هؤلاء القادرين على اعتناق مذهب اللاإدارية (الذين يعتقدون أن وجود الله وطبيعته وأصل الكون أمور لا سبيل إلى معرفتها)، لا يستطيعون أن يبقوا على مذهبهم إلا بسمو شباب نفوسهم وقوتها، فإذا هرمت النفس وولى شبابها يعود بعض الإيمان إلى الظهور ثانية (٣٨) .... إن اللاإدارية يأس له ما يبرره" (٣٩).
وضد جالياني اللامع، وبرجييه العالم الفقيه وبرتييه الدمث، وفريرون المجد المكافح وبومبينان النبيل ذي اللقب، وياليسو المرهق، ومورو الثرثار، استخدم الفلاسفة ضد هؤلاء جميعاً كل أسلحة الحرب الفكرية، من العقل والسخرية إلى الرقابة والقدح والذم. وتخلى فولتير عن هدوئه وغامر بأمنه وطمأنينته ليرد في شيء من الدعاية أكثر منه بالمحاجة والجدل غالباً، على كل من يهاجم الفلاسفة والعقل، فكتب إلى ديدرو "أرسل إليّ أسماء هؤلاء الرفاق التعساء، وسأعاملهم بما يستحقون" (٤٠).
وكان من الصعب التعرض لمورو لأنه كان أمين المكتبة، وكان مؤرخ الملكة. وكان من الممكن التشهير ببومينان بالتفاصيل الصغير، والنبل من بالبسو بالتورية والتلاعب بالألفاظ، وهكذا كتب مارمونتيل قطعة من المتعذر ترجمتها "هذا الرجل كان اسمه ذات يوم بالي، وفي البداية أسموه بالي الغبي، ثم بالي المنحط وبالي الأحمق، وبالي العقيم وبالي البارد. وتتويجاً لهذا التقريع المطول العنيف وختماً لهذه المقطوعة الهجائية، وجاءت الكلمة المناسبة على لفور. فأسموه بالي المغفل، وهبوطاً إلى مستواك يجب علينا، أنا واللفظة أن نمزح مرحاً صاخباً، تأمل وفكر إذا استطعت أن تستخدم تلك الآلة ولكن لا تكتب، بل اقرأ "أيها الأحمق".
وأجل ديدرو الانتقام حتى يسرد فجور باليسو وفسقه في كتابه "أين أخي رامر"(٤١) وكاد ألا يكون جديراً بفيلسوف، ولكنه تورع عن