ج- هم الذين يحاولون أن يعرف بعضهم بعضاً ولا يفصلون سعادتهم عن سعادة الآخرين (٨٧).
وركز الفلاسفة في أخلاقهم العملية على ذكرياتهم عن الأخلاقيات المسيحية. فأحلوا محل عبادة الله مريم والقديسين-هي العباد التي عاونت بطريق غير مباشرة للجنس البشري. أن الراهب سان بيير اقترح لفظة جديدة لفضيلة قديمة-البر والإحسان التي نترجمها ترجمة ضعيفة-وقصد بها العون الجاد المتبادل والتعاون مع الآخرين في أعمال الخير والبر المشتركة. ومع هذا أكد الفلاسفة كذلك على الإنسانية، أي التحلي بالروح الإنسانية وحب الخير العام، ولهذه جذورها وأصولها في ثانية الوصايا التي أعلنها السيد المسيح. ولابد أن رينال حين دمغ قسوة الأوربيين مع السود والهنود (في الشرق والغرب) بأنها عمل غير إنساني، وعرف أن أسقفاً أسبانياً هو لاس كاساس قد سبقه إلى هذا الاتهام في عام ١٥٣٩. وكلن التحمس الجديد لمساعدة الفقراء والمساكين والمرضى والمظلومين كان يرجع أساساً إلى الفلاسفة. وفوق كل شيء إلى فولتير. أن إصلاح القانون في فرنسا يرجع إلى حملاته المتواصلة. وأشتهر رجال الدين الفرنسيون بالصدقات ولكنهم آنذاك مارسوا رؤية الأخلاق العملية في المسيحية يبشر بها الفلاسفة ويدعون إليها بنجاح يذكر. ونمت الأخلاقيات أكثر استقلالاً وانفصالاً عن الدين، وفي مجالات الروح الإنسانية والعطف والتسامح وحب البشر والعمل على تعزيز السعادة الإنسانية والسلام انتقل الأمر من أساس لاهوتي إلى علماني أو دنيوي، وأثرت على المجتمع بشكل لم يعهد له مثيل من قبل.
وحين واجه الفلاسفة المشكلات الأخلاقية التي ولدتها الحرب، تحاشوا التهدئة على حين كانوا ينصحون بالسلام، وأقر فولتير الحروب الدفاعية ولكنه دلل على أن الحروب عملية سلب ونهب، وأنها تؤدي إلى ضعف وفقر المنتصر والمنهزم على حد سواء، وأنها تجلب الغنى والثراء إلى نفر قليل