وأضفى فولتير على الفلاسفة شرف هذا الانتصار، فكتب إلى دالمبير ١٧٦٤ "أن الفلاسفة وحدهم هم الذين إلى حد ما هذبوا سلوك الناس، وإنه لولاهم لشهدنا مذبحتين أو ثلاثاً من مثل مذبحة سانت برثلميو في كل قرن (١١٤). وينبغي أن نلاحظ مرة أخرى أن الفلاسفة أنفسهم كانوا أحياناً متعصبين، أن دالمبير ومارمونتيل حرضا مالشرب على كبح جماح فريرون (١٧٥٧)(١١٥)، وطلب إليه دالمبير أن تقييم الدعوة القضائية على بعض نقاد الموسوعة (١٧٥٧)، وحثته مدام هلفشيوس على إسكات صحيفة كانت قد عرضت بكتاب زوجها "الذكاء" ١٧٦٨. وفي بعض المناسبات توسل فولتير إلى السلطات لإيقاف حملات التشهير بجماعة الفلاسفة والطعن فيهم والسخرية منهم (١١٦). وبقدر ما كان التشهير حقيقياً-أي افتراء مؤذياً-فقد كان لتوسلاته ما يبررها.
وكان ثمة عوامل أخرى غير الفلسفة لنشر التسامح، فإن الإصلاح الديني على الرغم من أنه أقر التعصب، خلق فرقاً وشيعاً كثيرة. كان بعضها قوياً إلى حد الدفاع عن نفسه، إلى درجة أن التعصب نادراً ما تجاوز حد الكلام. وكان على هذه الشيع والفرق أن تتجادل وتقرع الحجة بالحجة، وقبلت اختبار العقل كارهة، ورفعت من شأنه. إن ذكرى الحروب "الدينية" في فرنسا وإنجلترا وألمانيا وما تنج عنها من خسائر اقتصادية، حولت كثيراُ من الزعماء الاقتصاديين والقادة السياسيين إلى التسامح. ووجدت بعض مراكز التجارة مثل همبرج وأمستردام ولندن، أنه من الضروري أن تصبر على مختلف المذاهب والعقائد التي يعتنقها زبائنهم الذين يتعاملون معهم. إن ازدادا قوة الدولة القومية جعلها أكثر استقلالاً عن الوحدة الدينية باعتبارها وسيلة للاحتفاظ بالنظام الاجتماعي، وانتشار التعرف على مختلف المدنيات والثقافات أضعف ثقة كل عقيدة في احتكارها للإله، وفوق كل ذلك جعل تقدم العلوم من العسير على العقيدة الدينية أن تصل إلى القساة والهمجية مثل محاكمات محكمة التفتيش أو إعدام