من ذوي العقول المثقفة تتكون في أوربا. إن الاستنارة تنتشر في كل مكان) (١٢٢).
إن فولتير نفسه وقد قهر في نفسه التشاؤم الذي يصاحب كبر السن، نراه يردد نغمة الانتصار:(إن العقول الراجحة المشكلة تشكيلاً حسناً كثيرة الآن، وهي تتصدر الأمم وتؤثر في سلوك الجماهير. وأن التعصب الذي طغى في الأرض لينحسر سنة بعد سنة جوره الكرية. وإذا لم تعد الديانة الآن تثير الحروب الأهلية فأننا مدينون بهذا للفلسفة وحدها. وبدأ الناس ينظرون إلى الصراعات الدينية وكأنها عرض في مسرح العرائس في السوق. إن العقل الذي يبسط سلطانه وحكمه، ينسف في كل لحظة أي جور بغيض مؤذ قائم على الخداع والاحتيال من جهة، وعلى الغباء من جهة أخرى (١٢٣).
ولنوف الرجل حقه. أننا قد بعد معرفتنا بتطرفات الثورة وإسرافها وبرد الفعل الذي تلاها، بأن الفلاسفة (باستثناء فولتير) كانت لديهم ثقة متفائلة في الطبيعة البشرية، وأنهم انتقضوا الآن من قوة الغرائز التي تولدت في آلاف السنين من عدم الشعور بالأمن ومن الوحشية والهمجية، وأنهم بالغوا في قوة التعليم لتنمية العقل ضابطاً متحكماً إلى حد كاف في هذا الغرائز، وأنهم عموا عن مطالب الخيال والعاطفة، وصمت آذانهم عن صيحات المقهورين التماساً لعزاء الإيمان، ولم يقيموا كبير وزن للتقاليد والنظم التي أنتجتها قرون من التجربة والخطأ، وأقاموا وزناً كبيراً للعقل الفردي الذي هو في أحسن الظروف نتاج لحياة قصيرة ضيقة محدودة. وإذا كانت هذه تقديرات خاطئة خطيرة فأنها لم تتأصل في مجرد زهو أو غرور فكري، ولكن تأصلت كذلك في طموح واسع الآفاق في إصلاح البشر وتحسن أحوالهم. إننا مدينون لفلاسفة القرن الثامن عشر-وربما للفلاسفة الأكثر عمقاً في القرن السابع عشر-بالحرية النسبية التي ننعم بها في الفكر والكلام والعقائد، كما أننا مدينون لهم بالفضل في تضاعف عدد المدارس والمكتبات