للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نتيجة فحصه. فواصل تشين نهاره بليله يبحث في عناصر الخيزران، وأضنى عقله وتفكيره بهذا البحث ثلاث أيام كاملة، حتى نضب معين جهوده العقلية وسئم العمل. وظننت في بادئ الأمر أن منشأ عجزه أن جهوده وقواه لم تكن كافية لهذا العمل، فأخذت أنا على عاتقي أن أقوم بهذا البحث، وقضيت فيه ليلى ونهاري ولكني عجزت عن فهم كنه الخيزران. وبعد أن واصلت العمل سبعة أيام انتابني المرض أنا أيضاً من فرط ما أجهدت نفسي وفكري؛ فلما التقينا بعدئذ قال كلانا لصاحبه في حسرة: "إنا لا نستطيع أن نكون حكيمين أو فاضلين" (٢١).

ومن أجل هذا تخلى وانج يانج - منج عن بحث طبيعة الأشياء، بل تخلى أيضاً عن دراسة أمهات الكتاب القديمة، فقد بدا له أن قراءة الإنسان قلبه وعقله وتأملها في عزلته يهيئان له من أسباب الحكمة أكثر مما تهيئه له دراسة جميع الكتب والأشياء المادية" (٢٢). ولما نفي إلى برية جبلية يسكنها أقوام همج وتنتشر فيها الأفاعي السامة اتخذ له من المجرمين الذين فروا إلى هذه الأصقاع أصدقاء وأتباعاً، وعلمهم الفلسفة وطهي لهم طعامهم وأنشد لهم الأناشيد. وفي ذات مرة، بينما هو قائم بالحراسة في منتصف الليل، قفز من كوخه على حين غفلة وصاح قائلا: "لاشك في أن طبيعتي وحدها كافية. ولقد أخطأت حين أخذت أبحث عن مبادئ في الأشياء المادية وفي شئون الخلق". ولم يكن رفاقه واثقين من أنهم يدركون ما يرمي إليه؛ ولكنه لم يلبث أن أرشدهم إلى الغاية المثالية التي كان يرمي إليها فقال: "إن العقل نفسه لينطوي على القانون الطبيعي، وهل في الكون شئ يوجد مستقلا عن العقل؟ وهل ثمة قانون لا صلة له بالعقل؟ " (٢٣) ولم يستدل من هذا على أن الله مكن تصوير الخيال، بل كان يعتقد أنه قوة أخلاقية غامضة ولكنها قادرة على كل شئ، وأنها أعظم من أن تكون إنساناً فحسب، ولكنها قادرة على أن تحسن بالعطف والغضب على الخلق (٢٤).