ومن هذه البداية المثالية وصل إلى المبادئ الأخلاقية التي وصل إليها جوشي والقائلة أن الطبيعة هي الخير الأسمى، وأن الفضيلة الكبرى إنما تكون بإطاعة قوانين الطبيعة والعمل بها كاملة (٢٥). ولما قيل له إن في الطبيعة أفاعي كما فيها فلاسفة أجاب إجابة فيها أثر من فلسفة أكويناس وسبنوزا Spinoza ونيتشة فقال إن "الخير" و "الشر" إن هما إلا رأيان مبتسران ولفظان تسمى بهما الأشياء حسب ما فيها من نفع أو أذى للفرد أو لبني الإنسان. وكان يعلم أتباعه أن الطبيعة نفسها فوق الخير والشر لا تعرف ما نطلقه نحن عليها من أسماء مبعثها الأنانية وقد نقل عنه أحد تلاميذه، أو لعله وضع من عنده، حواراً كان في مقدوره أن يعنونه: ما وراء الخير والشر.
ثم قال بعد ذلك بقليل:"إن منشأ هذه النظرة إلى الخير والشر في الجسم نفسه وأكبر الظن أنها نظرة خاطئة". ولم أستطع فهم هذا فقال المعلم:"إن الغرض الذي تهدف إليه السماء من وراء عملية الخلق ليتمثل في الأزهار والحشائش، فهل لدينا طريقة نفرق بها بينها فنقول إن هذه خير وتلك شر؟ فإن كنت أنت أيها الطالب يسرك أن ترى الأزهار قلت إن الأزهار حسنة والحشائش رديئة، أما إن كنت ترغب في أن تنتفع بالحشائش فإنك ترى فيها الخير كل الخير؛ وهذا النوع من الخير أو الشر إنما ينشأ مما هو كامن في عقلك من حب هذا الشيء أو كرهه، ومن هذا أعرف أنك مخطئ".
فقلت له:"إن الاطمئنان الناشئ من سيطرة القانون الطبيعي لهو حالة لا يكون ثمة خير أو شر، فهل هذا صحيح؟ " فأجاب المعلم: "إن الاطمئنان الناشئ من سيطرة القانون الطبيعي لهو حالة لا يفرق فيها بين الخير والشر، على حين أن استشارة الطبيعة العاطفية هي الحالة التي يوجد فيها الخير والشر كلاهما. فإذا لم تثر تلك الطبيعة العاطفية لم يكن ثمة خير أو شر، وهذا هو الذي يطلق عليه اسم الخير الأسمى ..... "