الإنسان هو أنا نفسي. أنا مجرداً من كل شيء. إنني أعرف قلبي، وأنا عليم بالناس. ولم أخلق كأي حي من الأحياء. وإذا لم أكن خيراً منهم، فإنني على الأقل مختلف عنهم. أما أن الطبيعة أحسنت أو أساءت بتحطيم القالب الذي صببت فيه، فذلك شيء لا يستطيع الحكم عليه إنسان إلا بعد أن يقرأني".
"وأياً كان موعد الساعة التي سيُنفخ فيها في صور يوم الحشر، فسوف آتي وكتابي هذا في يميني لأمثل أمام الديان الأعظم وسوف أقول بصوت عالٍ: كذلك سلكت، وكذلك فكرت، وكذلك كنت، لقد تحدثت إلى الأبرار والأشرار بنفس الصراحة، وما أخفيت شيئاً فيه سوء، ولا أضفت شيئاً فيه خير. وقد أظهرت نفسي كما أنا: حقيراً خسيساً حين كنت كذلك، وخيراً سمحاً نبيلاً حين كنت كذلك، لقد أمطت اللثام عن أعمق أعماق نفسي (٣).
وتتردد دعواه في توخي الصدق الكامل في الكتاب مراراً وتكراراً. ولكن روسو يسلم بأن تذكره لأشياء انقضى عليها خمسون عاماً كثيراً ما يكون تذكراً مبتوراً لا يمكن الركون إليه، وللجزء الأول في جملته جو من الصراحة يشيع الطمأنينة في القارئ. أما الجزء الثاني فتشوهه الشكاوى المملة من الاضطهاد والتآمر. وأياً كان الكتاب، فهو من أعظم ما نعرف من الدراسات السيكولوجية كشفاً عن النفس، وهو قصة روح حساسة شاعرة خاضت صراعاً أليماً مع قرن واقعي قاس. وعلى أية حال، فأن كتاب الاعترافات، لو لم يكن ترجمة ذاتية، لكان من إحدى الروايات العظيمة في العالم" (٤)(١).
(١) مازال الجدل حول صدق "الاعترافات" حاراً. وأهم ما يدور عليه هو اتهام روسو لجريم وديدرو بأنهما تآمرا على تزييف رواية علاقاته بمدام ديبينيه، ومدام دوديتو، وبشخصيهما. وكانت كفة الرأي الناقد راجحة ضد روسو قبل ١٩٠٠. ففي ١٨٥٠ قرر سانت بيف، بفظاظة غير معهودة فيه، أن روسو لا يتردد في الكذب أقل تردد أينما تعرضت كرامته وغروره المريض للخطر، وقد خلصت إلى أنه كذب فيما يتصل بجريم ووافقه على هذا الرأي قطب مؤرخي الأدب الفرنسيين، جوستاف لانسون (١٨٩٤)، فقال "إننا نفاجئ روسو في كل صفحة متلبساً بأكاذيب مفضوحة-كذب، لا مجرد =