للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القانون ثلاث دول، وهجره أخلص أصدقائه-كان له الحق في الدفاع عن نفسه، بل في الدفاع المستفيض: وحين قرأ فقرات من هذا الدفاع على بعض المحافل في باريس حصل خصومه على أمر من الحكومة يحظر إي قراءة علنية أخرى لمخطوطته. فلما فت في عضده، تركها عند موته مشفوعة برجاء للأجيال التالية قال فيه:

"إليكم هذه اللوحة الإنسانية الوحيدة-المنقولة بالضبط عن الطبيعة بكل صدق-الموجودة الآن أو التي ستوجد إطلاقاً في أغلب الظن. وأيما كنتم، يا من نصبكم قدري وثقتي حكماً على هذا السجل، فإني أستحلفكم بحق ما أصابني من خطوب ومحن وبحق ما تشعرون به من أخوة البشر، وباسم الإنسانية جمعاء، ألا تدمروا عملاً نافعاً فريداً في بابه، قد يصلح بحثاً مقارناً من الدرجة الأولى لدراسة الإنسان. وألا تنتزعوا من شرف ذكراي هذا الأثر الصادق الوحيد لخلقي، الأثر الذي لم ينل من خصومي مسخاً وتشويهاً (١) ".

والكتاب، بمحاسنه ومآخذه، نتاج ما فطر عليه مؤلفه من شدة الحساسية، وقوة الذاتية، ورهافة العاطفة. يقول روسو "إن قلبي الحساس كان أس بلائي كله". (٢) ولكن هذا القلب أضفى ألفة حارة على أسلوبه، وحناناً على ذكرياته، وفي كثير من الأحيان سماحة على أحكامه، وكلها تذيب نفورنا ونحن نمضي في قراءة الكتاب. ففيه يغدو كل تجريد واقعاً شخصياً مجسداً، وكل سطر شعوراً نابضاً بالحياة فهذا الكتاب أشبه بالنبع الذي تتدفق منه نهر الاعترافات المستبطنة، النبع الذي روى أدب القرن التاسع عشر، لا لأنه لم يكن له ضريب سابق من كتب الاعترافات، ولكن حتى القديس أوغسطين لم يستطع أن يضارع هذه التعرية للذات، أو يدعي دعواها في الأمانة والصدق. والكتاب يستهل بدقة من البلاغة التي تتحدى المقلدين:

"إنني مقبل على مغامرة لم يسبق لها نظير، ولن يكون لتنفيذها مقلد، أريد أن أظهر إخواني في الإنسانية على إنسان في كل صدق الطبيعة، وهذا