وفي مطلع صيف عام ١٧٢٩، عاود روسو-الذي بلغ الآن السابعة عشرة-الحنين إلى حياة الترحل، ثم أنه علل نفسه بأنه قد يجد بمعونة مدام دفاران وظيفة أقل إذلالاً لكبريائه. فأنطلق بصحبة غلام جنيفي مرح يدعى باكل سيراً من تورين، واخترقا ممر جبل سنيس في الأب إلى شامبري وآنسي. وقد صور قلمه الرومانسي تلك الانفعالات التي جاشت بها نفسه وهو يدنو من مسكن مدام دفاران تصويراً رائعاً "فقد ارتعشت ساقاي من تحتي وغامت عيناي، فلم أبصر ولم أسمع ولم أذكر أحداً، واضطررت مراراً إلى الوقوف لألتقط أنفاسي وأملك أحاسيسي المشدوهة (٢٦) ". ولا شك في أنه كان غير واثق من أنها سترحب بمقدمه. فكيف يستطيع أن يفسر لها كل ما طرأ على حياته من صروف وتقلبات منذ تركها؟ على أن "نظرتها الأولى بددت جميع مخاوفي. ووثب قلبي لسماع صوتها. وألقين نفسي عند قدميها، وفي نشوة من الفرح العارم ضغطت شفتاي على يدها (٢٧) ": ولم يسوءها هيامه بها، فخصصت له حجرة في بيتها، وحين بدأ البعض يتقولون كان جوابها "فليقولوا ما شاءوا، ولكني مادامت العناية قد ردته إليّ، فإني عازمة على ألا أتخلى عنه".