للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والجند، متمرسة بنظام صارم، فلما أسلمت نفسها للذات الأبيقورية، وأشادت ببداءات أوفيد وكاتللوس، ومارتيال، باتت مرتعاً للرذيلة "وهزؤاً بين الأمم، وهدفاً لاحتقار الشعوب حتى الهمج منها (٧٠). وحين عادت روما إلى الحياة في حركة النهضة الأوربية، عادت الفنون والآداب تنخر في عافية المحكومين والحاكمين، وخلفت إيطاليا أوهى من أن تثبت للهجوم. فأخضع شارل الثامن ملك فرنسا توسكانيا ونابلي دون أن يمتشق حساماً تقريباً، وعزت حاشيته كلها هذا النجاح غير المتوقع إلى انصراف أمراء إيطاليا ونبلائها باهتمام أعظم إلى تثقيف عقولهم دون الاهتمامات النشيطة والأعمال العسكرية (٧١) ".

والأدب ذاته عنصر من عناصر الفناء:

"يحكى أن الخليفة عمر حين سُئل في أمر مكتبة الإسكندرية وما يفعله بها أجاب: "وأما الكتب التي ذكرتها فإن كان فيها ما يوافق كتاب الله ففي كتاب الله عنه غنى، وإن كان فيها ما يخالف كتاب الله فلا حاجة إليها فتقدم بإعدامه" وقد ساق أدباؤنا هذا الأسلوب في التفكير على أنه بلغ غاية السخف، ولكن لو أن البابا جريجوري الأكبر كان في مكان عمر، والإنجيل في مكان القرآن، لأحرقت المكتبة رغم ذلك، ولربما عد هذا أروع عمل قام به في حياته" (٧٢).

أنظر إلى تأثير الفلسفة الممزق فبعض "محبي الحكمة" هؤلاء يخبروننا بأنه ليس هناك شيء اسمه المادة، وغيرهم يؤكدون لنا أنه لا وجود لشيء إلا للمادة وليس إله آخر غير الكون ذاته؛ وطريق ثالث يعلن أن الفضيلة والرذيلة ليستا سوى أسمين، وأنه لا اعتبار لشيء إلا للقوة والمهارة فهؤلاء الفلاسفة "يقوضون أسس إيماننا ويحطمون الفضيلة. إنهم يسخرون من الكلمات القديمة التي نستعملها مثل "الوطنية" و"الدين" ويكرسون مواهبهم لهدم وتشويه كل ما نقدسه غاية التقديس (٧٣) ". ومثل هذا الهراء ما كان ليعمر في العصور القديمة بعد موت صاحبه، أما الآن فبفضل الطباعة "ستبقى إلى الأبد تأملات هوبز وسبينوزا المؤذية. إذن فاختراع الطباعة كان من أفدح