الكوارث في تاريخ الإنسانية، ومن السهل أن نرى أن الملوك في المستقبل سيحرصون على إقصاء هذا الفن الرهيب عن ممالكهم حرصهم من قبل على تشجيعه" (٧٤).
ولنلاحظ ما أوتيت الشعوب التي لم تعرف قط الفلسفة أو العلم أو الأدب من قوة وتفوق؛ الفرس في عصر كورشن أو الألمان كما وصفن تاسيتوس، أو "في زماننا هذا الأم البسيطة (سويسرا) التي لم تقوَ حتى الشدائد والكوارث على قهر بسالتها المشهورة، والتي لم يستطع أي مثال أن يفسد أمانتها" وأضاف الجنيفي الفخور إلى هذه الشعوب "تلك الأمم السعيدة التي لم تعرف حتى أسماء الكثير من الرذائل التي يصعب القضاء عليها، متوحشي أمريكا الذين لم يتردد مونتيني في تفضيل طريقة حكمهم البسيطة الفطرية، لا على قوانين أفلاطون فحسب، بل على أكمل الرؤى التي تستطيع الفلسفة أن تستشرفها" (٧٥).
إذن فأي نتيجة ينبغي أن نخلص إليها؟ هي أن "الترف والإسراف، والرق، كانت في جميع الأجيال سوط عذاب سلط على جهود كبريائنا للخروج من حالة الجهالة السعيدة تلك التي وضعتنا فيها حكمة العناية الإلهية. فليتعلم البشر ولو مرة أن الطبيعة كانت تحميهم من العلم، تماماً كما تخطف الأم سلاحاً خطراً من يدي ولدها" (٧٦).
والجواب عن سؤال الأكاديمية العالمة هو أن العلم إذا تجرد من الفضيلة كان فخاً، وإن التقدم الحقيقي الوحيد هو التقدم الخلقي، وإن رقي العلم قد أفسد أخلاق البشر أكثر مما طهرها، وإن الحضارة ليست ارتقاء الإنسان إلى وضع أسمى، بل سقوطه من بساطة ريفية كانت فردوس البراءة والسعادة.
وقبيل ختام المقال كبح روسو جماح قلمه وألقى ببصره في شيء من الخوف على أشلاء العلم، والفن، والأدب، والفلسفة، التي خلفها في إثره وتذكر أن صديقه ديدرو يعد موسوعة كرسها لتقدم العلم. فاكتشف فجأة أن بعض الفلاسفة-كبيكن وديكارت-كانوا "معلمين عظاماً" ورأى أن النماذج الحية من هذه السلالة ينبغي أن يرحب بهم حكام الدول مشيرين لهم. ألم يعين