وإذا استثنينا من حرب الطبقات جانب الفلاحين، فإن جميع الجوانب المشاركة فيها اتخذت لها شكلاً مرئياً في ضجيج باريس وفخامتها. فنصف ثروة فرنسا انسابت إلى عاصمتها، ونصف فقر فرنسا تقيح فيها، وقال روسو إن باريس "ربما كانت المدينة الوحيدة في العالم التي تعظم فيها فوارق الثروات، والتي يسكن فيها الثراء الصارخ والفقر المدقع جنباً إلى جنب"(٢٣). وكان ستون من الفقراء المعانين جزءاً من الحرس الرسمي المرافق لجثمان ابن الدوفين البكر في ١٧٦١ (٢٤). وحوالي عام ١٧٧٠ كانت باريس تحوي ٦٠٠. ٠٠٠نفس من بين سكان فرنسا البالغين ٢٢. ٠٠٠. ٠٠٠ (٢٥). وتؤوي أكثر أهل أوربا نشاطاً، وأوسعهم إطلاعاً، وأشدهم فجوراً. وفيها أفضل الشوارع رصفاً، وأفخم الطرق المشجرة والمتنزهات، وأزحم حركات المرور، أجمل الحوانيت، وأفخر القصور، وأظلم الأكواخ، وطائفة من أبدع الكنائس في العالم. وقد تعجب منها جولدوني الذي وفد عليها من البندقية في ١٧٦٢ فقال في وصفها:
"يالها من حشود! وأي تجمع للناس من جميع الأوصاف! .. وأي منظر مدهش استرعى حواسي وذهني وأن أدنو من التوبلري! رأيت اتساع رقعة تلك الحديقة الهائلة، التي لا نظير لها في الدنيا، والتي لم تستطع عيناي أن تقيسا طولها .. ثم نهراً جليلاً، وكباري عديدة مريحة، وأرصفة شاسعة، وحشوداً من العربات، وزحاماً من الناس لا آخر له"(٢٦).
وكانت مئات المتاجر تغري الأغنياء والمفلسين، ومئات الباعة يسرحون ببضائعهم في الشوارع، ومئات المطاعم (وقد ظهرت الكلمة Restaurants أول ما ظهرت في ١٧٦٥) تعد بتعويض الجياع Restore عن جوعهم، ومئات التجار يجمعون التحف القديمة أو يزيفونها أو يبيعونها، ومئات الحلاقين يقصون ويبدرون الشعور أو الباروكات حتى لطبقة الحرفيين. وفي الأزقة الضيقة كان الفنانون والحرفيون ينتجون الصور، والأثاث، والثياب، والحلي البهرجة لأثرياء القوم. وهنا كانت عشرات المطابع تطبع الكتب، متعرضة أحياناً لخطر شديد، وفي ١٧٧٤ قدرت تجارة الكتب في باريس بمبلغ