وكان صوت جان-كلود فانسان دجورنيه أول صوت واضح للفيزيوقيراطيين في فرنسا. ولا شك في أنه كان يعلم بالاحتجاجات التي قدمها بواجلبير وفوبان للويس الرابع عشر على القيود الخانقة التي فرضت على الزراعة في ظل النظام الإقطاعي. وقد أعجب بكتاب السرجوسيا تشايلد "ملاحظات موجزة عن التجارة والفائدة"(١٦٦٨) إعجاباً حمله على ترجمته إلى الفرنسية (١٧٥٤)، وأغلب الظن أنه قرأ كتاب رتشارد كانتلون "مقال عن طبيعة التجارة"(حوالي ١٧٣٤) في طبعته الفرنسية (١٧٥٥). ويؤرخ البعض من هذا الكتاب مولد الاقتصاد بوصفه "علماً"-أي تحليلاً منطقياً لمصادر الثروة، وإنتاجها، وتوزيعها. قال كانتون "أن الأرض هي المصدر أو المادة التي تؤخذ منها الثروة، ولكن الجهد البشري هو الشكل الذي ينتج الثروة"، ولم يعرف الثروة بأنها الذهب أو النقود، بل "صيانة الحياة، ووسائل الراحة وأسبابها"(٣١) وكان هذا التعريف في حد ذاته ثورة في النظرية الاقتصادية.
وكان جورنيه تاجراً ميسوراً يعمل أول الأمر (١٧٢٩ - ١٧٤٤) في قادس. وبعد أن اشتغل في معاملات تجارية واسعة النطاق في إنجلترا، وألمانيا، والأقاليم المتحدة، استقر في باريس، وعين "ناظر للتجارة"(١٧٥١). وفي رحلاته التفتيشية في أرجاء فرنسا لاحظ بشخصه القيود التي فرضتها اللوائح النقابية والحكومية على المشروعات الحرة والتبادل الاقتصادي، ولم يخلف لنا صيغة وكتوبة لآرائه، ولكن لخصها بعد موته (١٧٥٦) تلميذه طورجو. وقد حث على التخفيف من النظم واللوائح الاقتصادية القائمة، إن لم يكن إلغائها. فكل إنسان يعرف خيراً مما تعرف الحكومة الإجراء الذي يلائم عمله خير ملائمة، فإذا كان حراً في السعي إلى مصلحته ازداد إنتاج السلع ونمت الثروة (٣٢).
"هناك قوانين فريدة أزلية، مؤسسة على الطبيعة وحدها، بمقتضاها توازن جميع القيم الموجودة في التجارة بعضها بعضاً وتثبت نفسها عند سعر مقرر، تماماً كما تنظم الأجسام المتروكة لثقلها نفسها فوق وزنها النوعي (٣٣) ".