أي أن القيم والأسعار تحددها العلاقات بين العرض والطلب، وهي علاقات تحددها بدورها طبيعة الإنسان. وخلص جورنيه إلى أن الدولة يجب أن ألا تتدخل في الاقتصاد إلا لتحمي الحياة، والحرية، والملكية، ولتشجع الإنتاج كماً وكيفاً بأسباب التشريف والمكافآت. وقد قبل مسيو ترودين رئيس مجلس التجارة هذه المبادئ، وخلع عليها طورجو قوة بلاغته واستقامته المعترف بها.
أما فرانسوا كزنيه فقد أتبع خطاً فزيوقراطياً اختلافاً طفيفاً. فهو لم ينسَ قط اهتمامه بالأرض لأنه مالك للأرض، ولو أنه أعد ليكون طبيباً، وقد جمع لنفسه ثروة بحذقه في الطب والجراحة، وارتقى حتى أصبح طبيباً لمدام دبومبادو وللملك (١٧٤٩). وقد جمع في مسكنه بفرساي لفيفاً من الزنادقة-دوكلو، وديدرو، وبوفون، وهلفتيوس، وطورجو … هناك كانوا يناقشون كل شيء في غير تحرج إلا شخص الملك، الذي كانوا يحلمون بأن يجعلوا منه "حاكماً مطلقاً مستنيراً" يكون أداة للإصلاح السلمي، وشعر كزنيه الغارق إلى أذنيه في عصر العقل، أن قد آن أوان استخدام العقل في الاقتصاد. ومع أنه كان دجماً طبقياً شديد الإعداد بنفسه في كتبه، فأنه كان في شخصه إنساناً رقيقاً يتميز بالنزاهة في محيط لا يقيم للأخلاق وزناً.
وفي ١٧٥٠ التقى بجورنيه، وسرعان ما فاق اهتمامه بالاقتصاد اهتمامه بالطب. وقد شارك بمقالات في موسوعة ديدرو تحت أسماء مستوردة بعناية. وقد عزا في مقاله "المزارع" هجر الزراع لها إلى الضرائب المرتفعة والتجنيد الإجباري. ولاحظ مقاله "الغلال"(١٧٥٧) أن المزارع الصغيرة تعجز عن الإفادة من أكثر الوسائل إنتاجاً، حبذ المزارع الكبيرة التي يديرها "المقاومون"-وهذا سبق للشركات الزراعية العملاقة في عصرنا. وقال إن على الحكومة أن تحسن الطرق، والأنهار، والقنوات، وأن تلغي كل المكوس على النقل، وتحرر حاصلات الزراعة من جميع قيود التجارة.