كفاح وزرائه للحفاظ على سلطة الملك المطلقة ضد تمرد البرلمانات. وهذه البرلمانات (كما رأينا) لم تكن هيئات نيابية أو تشريعية كالبرلمان البريطاني بل غرفاً قضائية تقوم بعمل محاكم الاستئناف في ثلاث عشرة مدينة فرنسية. زد على ذلك أنها ادعت-كما ادعى البرلمان الإنجليزي ضد تشارلز الأول-بأنها تدافع عن "القانون الأساسي" أو التقاليد المقررة لأقاليمهم ضد الاستبدادية الملكية، وإذ كان الوصي فليب دورليان قد أكد حقه في "الاعتراض" أو الاحتجاج على المراسم الملكية أو الوزارية، فإنهم تقدموا خطوة أخرى فطالبوا بألا يصبح أي من هذه المراسيم قانوناً ما لم يوافقوا عليه ويسجلوه.
ولو كانت البرلمانات قد انتخبها الشعب، أو انتخبتها أقلية متعلمة مالكة (كما في بريطانيا) لكان ممكناً أن تكون أداة انتقال إلى الديمقراطية، ولقد كانت إلى حد ما رقيباً صحياً على الحكومة المركزية. ومن ثم فإن الشعب بصفة عامة أيدها في كفاحها ضد الملك. على أنها كانت من أشد القوى محافظة في فرنسا، لأن أعضاءها كلهم تقريباً كانوا من أثرياء المحامين. وأصبح هؤلاء المحامون، بوصفهم "نبلاء الرداء" منغلقين بانغلاق نبلاء السيف، "وقرر البرلمان تلو البرلمان قصر المناصب الجديدة التي تحمل النبالة .... على الأسر النبيلة فعلاً (٨٣) ". وكان برلمان باريس أكثرها غلواً في المحافظة، وبارى الأكليروس في معارضة حرية الفكر أو النشر؛ وحرم كتب جماعة الفلاسفة بل أحرقها أحياناً. وكان قد انحاز إلى الجانسنية التي أدخلت لاهوتاً كلفنياً في الكنيسة الكاثوليكية. وقد لاحظ فولتير أن برلمان تولوز الجانسني عذب وقتل جان كالاس، وإن برلمان باريس صدق على إعدام لابار، في حين نقضت وزارة شوازيل الحكم على كالاس وحمت الموسوعين.
وزاد كرستوف دبومون، رئيس أساقفة باريس، الصراع حدة بين الجانسنيين والكاثوليك التقليديين إذ أصدر أمره إلى الكهنة الخاضعين له بألا يناولوا القربان إلا للأشخاص الذين اعترفوا على يد كاهن غير جانسني.