وتورطت البرلمانات كارهة تقريباً، وبرغم نزعتها المحافظة، في خميرة من الأفكار الثورية. وكان مقالا روسو، وشيوعية موريللي، ومقترحات مابلي والاجتماعات السري لجماعة الماسون الأحرار، وفضح الموسوعة للمفاسد المتفشية في الحكومة والكنيسة، وسيل النشرات المتداولة في أرجاء العاصمة والأقاليم-كلها كانت تعارض معارضة عنيفة دعوى السلطة المطلقة والحق الإلهي التي يدعيها ملك خامل عربيد. وهكذا أخذ الرأي العام ( M. Tout Le Monde) يتحرك بوصفه قوة في التاريخ.
كان أثقل النقد إلى عام ١٧٥٠ يقع على الكنيسة، ولكنه بعد ذلك راح يقع بازدياد على الدولة بعد أن حفزه حظر الموسوعة. كتب هوراس ولبول من باريس في أكتوبر ١٧٦٥:
"لم يعد للضحك سوق هنا .. يا للقوم الطيبين، إن وقتهم لا يتسع للضحك، فواجبهم الأول هو هدم الله والملك؛ ويشارك الرجال والنساء، والعظماء والحقراء في هذا الهدم من كل قلوبهم .. أتعلم من هم "الفلاسفة" أو ما مدلول اللفظ هنا؟ أولاً هو يشمل كل إنسان، ثانياً يعني الرجال الذين يهدف الكثيرون منهم، بعد أن أقسموا على خوض الحرب على الملكية، إلى هدم الدين كله وأكثر من هؤلاء إلى القضاء على سلطة الملك"(١٠٥).
وفي هذا الحكم مغالاة بالطبع، فمعظم جماعة الفلاسفة (باستثناء ديدرو على الأخص) كانوا أنصار للملكية يتجنبون الثورة. وهاجموا النبلاء وكل الامتيازات الوراثية؛ وانتقدوا عشرات المفاسد وطالبوا بإصلاحها؛ ولكنهم كانوا يرتعدون فرقاً من فكرة إعطاء السلطة كلها للشعب (١٠٦). ومع ذلك كتب جريم في "رسائله" في يناير ١٧٦٨ يقول:
"إن السأم العام من المسيحية، الذي يتضح في جميع الأرجاء، لا سيما في الدول الكاثوليكية؛ والقلق الذي يهيج عقل الناس بشكل غامض ويدفعهم إلى مهاجمة المفاسد الدينية والسياسية-كل هذا ظاهرة يتسم بها قرننا، كما اتسم القرن السادس عشر بروح الإصلاح، وهو ينذر بثورة داهمة لا مفر منها"(١٠٧).