زوجته من باريس في ١٧٦٣ يقول:"تسألين هل النساء الباريسيات جميلات. ولكن كيف السبيل إلى معرفة هذا إذا كن مزوقات كعرائس نورمبرج، ممسوخات بهذه الحيلة المنفرة نسخاً تعجز معه عينا الألماني الساذج عن التعرف على امرأة ذات جمال طبيعي إذا رآها (١٦) "؟ وكان النساء يحملن مساحيق الزينة معهن، ويجملن بشرتهن من جديد علانية من غير حياء شأنهن اليوم. وقد حمرت مدام دموناكو وجهها قبل أن تركب لتقطع الجيلوتين رأسها. وكانت جثث الموتى تجمل، وتبدر، وتحمر؛ كما في زماننا. أما ثياب النساء فكانت مزيجاً متحداً من الإغراءات والمعوقات: فيه فتحات النحور الواطئة، والصدارات المخرمة، والجواهر التي تخطف الأبصار، والتنانير الكبيرة الفضفاضة، والأحذية العالية الكعوب المصنوعة عادة من التيل أو الحرير. وانتقد بوفون وروسو وغيرهما لبس المشدات، ولكنها ظلت ضربة لازب حتى أطاحت بها الثورة.
وكان تنوع الحياة الاجتماعية ومرحها من مفاتن باريس. فكانت مقاهي بروكوب، ولا ريجانس، وجرادو، تستقبل رجال الفكر والثوار، والأثرياء، من الرجال الباحثين عن اللهو، والنساء الباحثات عن الرجال. أما نجوم الأدب، والموسيقى، والفن، فكانوا يسطعون في الصالونات. وأبهج أقطاب النبالة أو الثروة فرساي وباريس بالمآدب والاستقبالات والمراقص. وكانت الفنون بين علية القوم تشتمل على الأكل والحديث. وكان المطبخ الفرنسي مثار حسد أوربا. وكان الحديث الفرنسي الذكي الظريف قد بلغ الآن من الصقل مبلغاً استنزف فيه كل المواضيع، فقام الضجر على الإشراق، واضمحل فن الحديث في النصف الثاني من القرن الثامن عشر؛ فرفعت الخطابة من حرارته فوق ما ينبغي، وسبق المتكلمون السامعين، وابتذلت النكتة الذكية نتيجة إسرافها ولدغاتها المستهترة. وقد ذكر فولتير-الذي كان هو ذاته قادراً على اللدغ-باريس بأن النكتة إذا خلت من اللياقة كانت الفجاجة بعينها (١٧)، وذهب لاشولتيه إلى أن "الولع بالتظرف … أقصى العلم والثقافة الصحيحة عن الصالونات (١٨) ".