من هذا العناء بالانتحار. وسبها فتسبه سباً أقذع. ولكنها تخبره أيضاً أنه جميل، وأنه لا يحتاج إلا لإرشادها لك يصبح في روعة الفرنسيين. فيغتاظ ويبتهج. وأخيراً يتزوجها ويجعل منها ملكة. وفي أثناء حفل الزفاف يسأل نفسه "أممكن أن يطيح أنف أخنس صغير بقوانين إمبراطورية؟ (٣٦) والعبرة عند مارمونتيل: إن صغار الأشياء هي التي تحدث جلائل الأحداث، ولو عرفنا تلك التوافه الخفية لراجعنا التاريخ مراجعة كاملة.
وسارت الأمور كلها تقريباً رخاء مع مارمونتيل إلى أن نشر (١٧٦٧) قصة سماها "بيليزيز" وكانت قصة ممتازة؛ ولكنها دافعت عن التسامح الديني، وتشككت في "حق السيف في أن يبيد الهرطقة، والإلحاد، وعدم التقوى، وأن يضع العالم كله تحت نير الدين والحق (٣٧)". وأدانت الصوربون الكتاب لاحتوائه على تعليم يستحق الشجب. ومثل مارمونتيل أما عميد الصوربون واحتج عليه قائلاً "قل لي يا سيدي، ألست تدين الآن روح العصر لا روحي (٣٨)، " وظهرت روح العصر في جرائه، في اعتدال العقوبة. ولو نشر قصته تلك قبل عشر سنوات لزج به في الباستيل ولصودر-كتابه؛ أما الآن فالذي حدث هو أن القصة راجت رواجاً كبيراً؛ وظلت تحمل "إذن الملك وامتيازه" واكتفت الحكومة بالتوصية بأن يلزم الصمت حول الموضوع (٣٩)، على أن مدام جوفران انزعجت كثيراً حين لم يقتصر الأمر في قرار الصوربون بمصادرة الرواية على قراءته في الكنائس، بل تجاوزه إلى تعليقه على باب بيتها. فاقترحت على مارمونتيل في لطف أن يبحث عن مسكن آخر.
ووقع واقفاً كالعادة. ففي ١٧٧١ عين مؤرخاً رسمياً ملكياً براتب حسن، وفي ١٧٨٣ أصبح السكرتير الدائم للأكاديمية الفرنسية، وفي ١٧٨٦ عين أستاذاً للتاريخ في الليسيه. وفي ١٧٩٢ حين كان في التاسعة والستين وقد قززته انحرافات الثورة، اعتكف في أفرو؛ ثم في لأبلو فيل؛ وهناك كتب "مذكراته" التي أغتفر فيها حتى للصوربون إساءاتها. وقضى سنواته الأخيرة في فقر لا يشكو ولا يتذمر، شاكراً لأنه عاش حياة غنية ممتعة. ومات في آخر يوم في عام ١٧٩٩.