ثم أنها وجدت أن حضور الإناث يصرف سباعها عن الفلسفة والفن. وبدا أن سياسة الفصل بين الجنسين التي انتهجتها قد بررها ما كسبته ندواتها من صيت ذائع بالمناقشات الطريفة الهامة. واحتال الأجانب في باريس للظفر بدعوات إلى صالونها، ذلك أن مباهاتهم، بعد عودتهم إلى أرض الوطن، بأنهم اختلفوا إلى صالون مدام جوفران، كانت تشريفاً لا يفوقه إلا شرف المثول بين يدي الملك. وكان هيوم، وولبول، وفرانكلن، من بين ضيوفها الشاكرين. وحرص السفراء لدى بلاط فرساي-حتى الكونت فون كاونتز الرفيع المقام-على تقديم أنفسهم في ذلك المنزل المشهور في شارع سانت-أوتوريه. وفي ١٧٥٨ اصطحب الأمير كانتيمير، السفير الروسي، أميرة انهالت تسربست التي حدثت القوم بفضائل ابنتها، ولم تنقضي أربعة أعوام حتى أصبحت هذه الابنة كاترين الثانية، وظلت إمبراطورة الأقاليم الروسية كلها سنين طوال بعد هذا، تبادل ربة الصالون البورجوازية الرسائل الساحرة. وعاد سويدي جميل ذكي ممن اختلفوا إلى بعض ولائم المدام إلى وطنه ليصبح جوستاف الثالث.
وثمة شاب أجمل هو ستانسلاس يونياتوفسكي كان كثير التردد بل كاد يكون من عباد مدام جوفران (التي كانت أحياناً تؤدي عنه ديونه (٨٨))، وما لبث أن اعتاد أن يناديها "ماما"، فلما أصبح ملكاً على بولندا (١٧٦٤) دعاها إلى زيارة وارسو ضيفاً عليه. فلبت الدعوة مع أنها بلغت الآن الرابعة والستين. وأقامت في طريقها بفيينا فترة، وكتبت تقول "أن القوم يعرفونني هنا خيراً مما يعرفني جيراني على ياردتين من بيتي (٨٩) ". وطلت حيناً في القصر الملكي بوارسو (١٧٦٦) تقوم من الملك مقام الأم والمشيرة. وتبادل الناس الرسائل التي بعثت بها إلى باريس كما تبادلوا الرسائل التي بعث بها فولتير من فرنيه، وقد كتب جريم يقول:"إن الذين لم يقرئوا رسائل مدام جوفران لم يكونوا أهلاً لمخالطة المجتمع الراقي (٩٠) ". فلما قفلت إلى باريس واستأنفت ولائمها، ابتهج عشرات من مشاهير القوم، ونظم بيرون وديليل القصائد احتفاء بعودتها.
وكانت الرحلة شاقة-فقد استقلت مركبة اخترقت نصف أوربا طولاً