وقال هذا السكرتير المخلص إن مولاه "كثيراً ما كان يغسل عينيه بالماء النقي البارد"، و"لا يستعمل النظارات إطلاقاً"(١٣) وفي أخريات حياته، حين مل حلاقة لحيته، كان ينزع شعرها بملقاط. ويواصل فاجنيير حديثه فيقول "كان شديد الولع بالنظافة والنظام، وكان هو ذاته نظيفاً إلى حد الوسوسة. "(١٤) وكثيراً ما كان يستعمل مساحيق التجميل، والعطور، والمراهم، وكانت حاسة شمه المرهفة تتأذى من الروائح الكريهة. (١٥) وكان "نحيلاً إلى حد لا يصدق" لا يحمل من لحم إلا ما يكسو عظامه بالجهد. وكتب الدكتور بيرني بعد أن زاره عام ١٧٧٠ "ليس من اليسير تصور إمكان بقاء الحياة في جسد يكاد يكون جلداً وعظاماً .... وقد ظنني مشتاق لتكوين فكرة عن … إنسان يمشي بعد موته. "(١٦) وقد قال يصف نفسه إنه "يثير السخرية لأنه لم يمت"(١٧).
كان عليلاً نصف عمره. وكان يشكو من بشرة شديدة الحساسية؛ وكثيراً ما شكا من حكات متنوعة (١٨)، ربما من أثر العصبية أو الإفراط في النظافة وكان أحياناً يعاني من تقطر البول-وه التبول البطيء المؤلم؛ في هذه الناحية كان هو وروسو صنوين وإن أشتد تباينهما فيما عداها. وكان يشرب القهوة بإسراف-خمسين مرة في اليوم في رواية فردريك الأكبر؛ (١٩) وثلاث مرات في رواية فانجنبير (٢٠). وهو يسخر من الأطباء، ويلاحظ أن لويس الخامس عشر عمر بعد أم مات أربعون من أطبائه، ويقول "من سمع بطبيب عمر للمائة؟ "(٢١).
ولكنه هو نفسه كان يستعمل الكثير من العقاقير. وقد وافق مرشح موليير لنيل درجة الطب على أن خير دواء في أي داء خطير هو "إعطاء عقار مسهل"(٢٣). وكان يطهر أمعاءه ثلاث مرات في الأسبوع بمحلول القرفة الصيفية، أو بحقنة صابون. ومن رأيه أن خير الأدوية هو الدواء الواقي، وخير وقاية هو تنظيف الأعضاء الداخلية والغطاء الخارجي. (٢٤) وكان يمارس عمله، رغم شيخوخته، وأوصابه، وزواره، بنشاط لا يؤته إلا رجل تخفف من عبء اللحم الفائض. وقد قدر فاجنبير أن مولاه لم يكن ينام "أكثر من خمس ساعات أو ست"(٢٥) في اليوم. وكان يواصل العمل إلى