للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكانت رسائله لمعارفه في باريس موضع تقديرهم، تتداولها الأيدي تداول نفائس الأخبار ودرر الأسلوب. ذلك أن رسائل فولتير هي التي بلغ فيها أسلوبه أروع تألقه. فهذا الأسلوب لم يبلغ قصارى إبداعه في تواريخه، حيث يستحب السرد الناعم المتدفق أكثر من البلاغة أو النكتة، وفي تمثيلياته شط إلى حد الخطابة الرنانة الطنانة؛ أما في رسائله فقد استطاع أن يدع سن قلمه الماسي يسطع بالابجرام أو ينير موضوعاً بدقة وإيجاز لا مثيل لهما. وقد جمع بين علم بيل وأناقة فونتينيل، واستعار مسحة تهكم وسخرية من رسائل بسكال الإقليمية، وقد ناقض نفسه خلال سني كتابته السبعين، ولكنه لم يكن قط غامضاً؛ ونحن لا نكاد نصدق أنه كان فيلسوفاً، فهو في غاية الوضوح، يقصد مباشرة إلى هدفه الأهم، إلى النقطة الحيوية في الفكرة. وهو يتوخى القصد في النعوت والتشبيهات مخافة أن يعقد الفكرة، وفي كل جملتين تقريباً ومضة من نور. وقد تتكاثر الومضات أحياناً، وتتراخم نفحات الذكاء؛ فيتعب القارئ بين الحين والحين من هذا التألق، وتضيع عليه بعض السهام المريشة من ذهن فولتير السريع الحركة. وقد أدرك أن فرط تألقه هذا خطأ، كوضع الجواهر على العباءة. واعترف في تواضع بأن "اللغة الفرنسية بلغت أوج كمالها في عصر لويس الرابع عشر". (٤٧)

وكان بين مراسليه نصف وجوه ذلك العهد-لا كل جماعة الفلاسفة فحسب، ولا جميع مؤلفي فرنسا وإنجلترا فحسب، بل الكرادلة، والباباوات، والملوك، والملكات، واعتذر له كرستيان السابع عن عدم تنفيذ كل الإصلاحات الفولتيرية في وقت واحد في الدنمرك؛ وأسف ستانسلاس يونياتوفسكي ملك بولندا على أنه سيق على عجل لاعتلاء العرش وهو في طريقه إلى فرنيه؛ وشكره جوستاف الثالث ملك السويد لأنه ألقى بين الحين والحين نظرة عجلى على الشمال البارد، وتوسل "أن يطيل الله في أيامك الغالية القيمة للإنسانية" (٤٨). ومع أن فردريك الأكبر وبخه لأنه قسا على موبرتوي، وأساء أدبه مع الملوك (٤٩)، إلا أنه كتب بعد شهر يقول "الصحة والرفاهية لأشد من عش أو سيعيش من العباقرة على هذه الأرض خبثاً وإغراء"؛ (٥٠) وفي ١٢ مايو ١٧٦٠ أضاف: