دقيقاً، ومحصناً على قدر الإمكان من التلاعب بحرفيته. ويجب أن يكون جميع المواطنين سواء أمام القانون، وإلغاء عقوبة الإعدام لأنها عقوبة همجية مبددة. فلا شك أن من الهمجية عقاب التزوير، أو السرقة، أو التهريب، أو الحرق المتعمد بالموت. وإذ كانت السرقة تعاقب بالإعدام فلن يكون هناك ما يمنع اللص من القتل، ومن ثم فإن كثيراً من جرائم قطع الطريق في إيطاليا مصحوباً بالاغتيال. "إذا علقتم على مشنقة الدولة (كما حدث في برلين عام ١٧٧٢) الخادمة التي سرقت دستة فوط من سيدتها … فإنها لم تستطيع إضافة دستة من الأطفال إلى مواطنيكم … وشتان بين دستة فوط وبين حياة إنسان"(٩٠). ومصادرة ثروة إنسان محكوم عليه بالإعدام سرقة صريحة تقترفها الدولة ضد الأبرياء. وإذا كان فولتير يجادل أحياناً من وجهة نظر نفعية فقط فما ذلك إلا لأنه عرف أن حججه هذه ترجح أي نداء إنساني في نظر معظم المشرعين.
على أنه حين تناول موضوع التعليم القضائي أفصحت روحه الإنسانية عن نفسها في قوة وتأكيد. ذلك أن القانون الفرنسي أباح للقضاة أن يستخدموا التعذيب وسيلة لاستلال الاعترافات قبل المحاكمة إذا كانت هناك من المؤشرات المريبة ما يلمع إلى أن المتهم مذنب. وقد حاول فولتير أن يخزي فرنسا بإشارته إلى مرسوم كاترين الثانية الذي ألغى التعذيب في روسيا التي زعم الفرنسيون أنها قطر همجي. "أن الفرنسيين، الذين يعتبرون-ولا أدري لماذا-شعباً عظيم الإنسانية، يدهشهم أن الإنجليز الذين دفعهم تجردهم من الإنسانية إلى انتزاع كندا كلها من أيدينا، قد أقلعوا عن لذة استخدام التعذيب"(٩١).
واتهم بعض القضاة بأنهم "فتوات" يتصرفون كأنهم مدعون لا قضاة، مفترضين بشكل واضح أن المتهم مذنب حتى تثبت براءته. واحتج على حبس المتهم في سجون قذرة، وأحياناً في أغلال عدة شهور قبل تقديمه للمحاكمة. ولاحظ أن المتهم بجريمة كبرى يمنع من الاتصال بأي إنسان حتى بمحامٍ. وروى مراراً وتكراراً معاملة آل كالاس وسيرفنس مثالاً على التعجل في