"منذ كنت في الثانية عشرة اعتدت أن أتكهن بعدد هائل من الأشياء التي لم أوت الموهبة لفهمها. فأنا عليم بأن أعضائي لم تهيأ لتعمق الرياضة. وقد أثبت أنني لا أميل إلى الموسيقى. أعتمد على تقدير فيلسوف عجوز في من الحماقة .... ما يحمله على الاعتقاد بأنه مزارع قدير جداً، ولكن ليس فيه من الحماقة ما يحمله على الاعتقاد بأنه وهب جميع المواهب"(٩٥).
وليس من الإنصاف أن نطلب من رجل كثرت الموضوعات التي عالجها هذه الكثرة لأن يكون قد استوعب كل المعلومات المتاحة عن كل موضوع قبل أن يجري عليه قلمه. فلم يكن كله عالماً؛ لقد كان مقاتلاً، أديباً جعل الأدب ضرباً من العمل، وسلاحاً للتغيير. ومع ذلك تستطيع أن ترى من مكتبته التي حوت ٢. ٢١٠ مجلداً، وما تركه على الكتب من هوامش، إنه درس في شغف وعناية موضوعات فيها تنوع مذهل، وإنه كان رجلاً واسع العلم جداً بالسياسة، والتاريخ، والفلسفة، واللاهوت، ونقد الكتاب المقدس، وكانت رقعة حبه للاستطلاع واهتماماته شاسعة؛ وكذلك كان غنى أفكاره وقدرة ذاكرته على التذكر. ولم يأخذ أي تقليد موروث على أنه قضية مسلمة، بل فحص كل شيء بنفسه. وكان فيه نزوع إلى التشكك لا يتردد في أن يعارض بالفطرة السليمة سخافات العلم وأساطير إيمان العوام سواءً بسواء. وقد وصفه عالم نزيه بأنه "مفكر جمع من المعلومات الدقيقة عن العالم في جميع نواحيه أكثر مما جمعه أي إنسان منذ أرسطو"(٩٦). ولم يوفق عقل واحد في أي بلد آخر في أن ينقل إلى دنيا الأدب ودنيا العمل هذا الحشد الهائل من المواد من مثل هذه الميادين المنوعة.
ولا بد لنا من أن نصوره أعجب مزيج من عدم الاستقرار العاطفي، والرؤيا والقدرة العقليتين. فقد جعلته أعصابه دائماً متوتراً قلقاً، فما كان في استطاعته الجلوس ساكناً إلا إذا استغرقته الكتابة الأدبية. وحين سألت السيدة ذات الردف الواحد "أيهما أسوأ للمرأة-أن يهتك عرضها قرصان من الزنوج مائة مرة، أو أن يجرح ردفها جرحاً بليغاً … أو أن تقطع إرباً، أو أن تجدف في سفن تشغيل العبيد، .... أو أن تقعد ولا تعمل شيئاً؟ " أجابتها كانديد