وهي تنعم الفكر "ذلك سؤال كبير"(٩٧). لقد كان لفولتير أيام حفلت بالسعادة، ولكنه قل أن عرف سلام العقل أو الجسد. كان عليه أن يكون مشغولاً، نشيطاً، يبيع ويشتري، ويزرع، ويكتب، ويمثل، ويتلو، وكان يخشى الملل أكثر مما يخشى الموت، وفي لحظة سأم ذم الحياة لأنها "إما ضجر أو قشدة مخفوقة"(٩٨).
ولعلنا نرسم صورة قبيحة لفولتير أن وصفنا طلعته دون أن نلحظ عينيه، أ, عددنا أخطاءه وحماقاته دون فضائله وظرفه. لقد كان "البرجوازي المنتحل النبالة" الذي شعر بأن له الحق في لقب الشرف ما لمدينيه المماطلين. ولقد بارى أعظم السادة الإقطاعيين كياسة في السلوك والحديث، ولكنه كان قادراً على المساومة في المبالغ التافهة، وانهال على المشرف على الآجام بأقزع الشتائم بسبب أربعة عشر قدماً مكعباً من الخشب-أصر على قبولها هدية دون ثمن. وأحب المال أساساً لأمنه. وقد اتهمته مدام دنيس بالبخل بعبارات فيها غلو شديد:"إن محبة المال تعذبك … وأنت في صميمك أحط الرجال. وسأخفي ما استطعت رذائل قلبك"(٩٩). ولكنها حين كتبت هذا (١٧٥٤) كانت تعيش عيشة التبذير في باريس على مال كان عبئاً باهظاً على جيبه، وفي باقي السنين التي قضتها معه كانت تحيا حياة الأبهة والفخفخة بفرنيه.
وقبل أن يصبح مليونيراً وبعده كان يسعى لمصادقة الأقوياء اجتماعياً أو سياسياً بتعلق يقرب أحياناً من التذلل. وفي "رسالة إلى الكاردينال دموا" وصف معدن الرذائل ذاك بأنه أعظم من الكاردينال ريشليو (١٠٠). وحين كان يسعى لقبوله في الأكاديمية الفرنسية واحتاج إلى تأييد رجال الدين أكد للأب دلاتو الكبير النفوذ أنه يود أن يعيش ويموت في كنف الكنيسة الكاثوليكية المقدسة (١٠١). وأكاذيبه المطبوعة تؤلف كتاباً لو جمعت، والكثير منها لم يطبع، وبعضها كان غير قابل للنشر، وقد ذهب إلى أن هذا الإجراء مبرر في الحرب، وأحس أن حرب السنين السبع لم تكن غير لهو الملوك إذا قيست بحرب الثلاثين عاماً التي خاضها ضد الكنيسة؛ والحكومة التي تستطيع أن تزج برجل في السجن لقوله الصدق ليس في وسعها أن تشكو بحق إذا كذب.