وفي ١٩ سبتمبر ١٧٦٤ عندما حمى وطيس معركته، كتب دالامبير يقول "حالما يبدو أدنى خطر تفضل بإبلاغي لكي أنكر كتاباتي في الصحف العامة بما عهد فيّ من صراحة وبراءة". وقد أنكر كل أعماله تقريباً باستثناء ملحمة "الهنريادة" وقصيدته في معركة فونتنوا. "على المرء أن يظهر الحق للأجيال القادمة بجرأة، ولمعاصريه بحذر. ومن العسير جداً التوفيق بين الواجبين"(١٠٢).
وما من شك في أنه كان مغرورا: فالغرور مهماز التقدم، وسر الكتابة والتأليف. وكان فولتير يتحكم في غروره عادة، فكثير ما نقح كتاباته استجابة لما يوجه إليه من مقترحات ونقد بروح طيبة. وكان سخياً في ثنائه على المؤلفين الذين لا ينافسونه-كمارمونتيل، ولا هارب، وبومارشيه، ولكنه قد يغدو غيوراً غيرة صبيانية من مزاحميه، كما نرى في "مديح كريبيون"(الأب) المفعم بالنقد الخبيث؛ ويرى ديدرو أنه "يحمل ضغينة لكل قاعدة تمثال"(١٠٣) وقد دفعته غيرته إلى شتم روسو شتماً مقذعاً، فوصفه بأنه "صبي الساعاتي" و"يهوذا خائن الفلسفة" و"كلب مسعور يعقر كل إنسان" و"مجنون وليد زواج صدفة بين كلبي ديوجين وايراسستراتوس"(١٠٤). وذهب إلى أن النصف الأول من "جولي أو هلويز الجديدة" قد ألف في ماخور، والآخر في مستشفى للمجاذيب، وتنبأ بأن "إميل" سينسى بعد شهر (١٠٥). وأحس أن روسو ولى ظهره لتلك الحضارة الفرنسية التي كانت رغم كل ذنوبها وجرائمها في نظر خمر التاريخ ذاته.
وإذا كان فولتير مجرد أعصاب وعظام دون لحم يذكر، كان أرهف حساً حتى من روسو. ولما كان حتماً أن نحس بآلامنا حساساً أحد من إحساسنا بلذاتنا، فإنه كان يأخذ المديح والإطراء قضية مسلمة؛ ولكنه "يصاب باليأس" إذا وجه إليه نقد معاد (١٠٦). قلما أوتي من الحكمة والتعقل ما يضبط قلمه؛ فكان يرد على كل معارض مهما صغر شأنه. وقد وصف هيوم بأنه إنسان "لا يغفر أبداً (؟)، ولا يرى عدواً لا يستحق اهتمامه"(١٠٧). وقد حارب خصومه الألداء كديفونتين وفريرون حرباً لا هوادة فيها؛ ولجأ إلى أسلوب في الهجاء، والسخرية، والشتم، وحتى لوى الحق بمكر (١٠٨).