بوجع الهزيمة، فاتهم روسو بأنه هارب مارق، وأسف على تردي قطيع "الفلاسفة" الصغير إلى هوة صراع يفنون فيه أنفسهم. وكتب يقول "إن جان-جاك السيئ السمعة هو يهوذا الجماعة"(٥١) ورد روسو بخطاب (٢٩ يناير ١٧٦٠) إلى الراعي الجنيفي بول مولتو:
"أتحدثني عن ذلك الرجل فولتير؛ لم يلوث اسم ذلك المهرج رسائلك؟ لقد دمر ذلك التعس وطني (جنيف). ولو كان احتقاري له أقل لكرهته أكثر. وأنا لا أرى في مواهبه العظيمة إلا شيئاً مخزياً يضاف إلى خزيه، ويحط من قدره بسبب الطريقة التي يسخر بها … إيه أيها المواطنون الجنيفيون، إنه يكلفكم غالياً جزاء إيوائكم له! "(٥٢).
وأحزن روسو أن يعلم أن فولتير يخرج التمثيليات في تورنيه، وأن كثيراً من المواطنين الجنيفيين يعبرون الحدود إلى فرنسا ليشهدوا هذه الحفلات-لا بل ليشارك بعضهم فيها. ووجد استياؤه مبرراً آخر للحرب حين طبع خطابه الذي أرسله إلى فولتير عن زلزال لشبونة في مجلة برلين (١٧٦٠)، لأن فولتير فيما يبدو أعار المخطوطة في غير مبالاة لأحد الأصدقاء. فأرسل روسو الآن (١٧ يونيو) إلى فولتير خطاباً من أعجب الخطابات في رسائل هذا العصر الصاخب. قال بعد أن لام فولتير على نشر الخطاب دون إذنه:
"إنني لا أحبك يا سيدي. فلقد آذيتني أن تلميذك المتحمس لك أبلغ الأذى. لقد دمرت جنيف جزاء على الملجأ الذي قدمت لك. ولقد نفرت مواطني من جراء المديح الذي مدحك به بينهم. وأنت الذي تجعل مقامي في وطني شيئاً لا أطيقه، أنت الذي ستضطرني للموت على أرض غريبة، محروماً من كل تعزيات المحتضرين، ملقي على كوم من أكوام المهملات في ازدراء، بينما يحيط بك كل ما يستطيع إنسان أن يطعم فيه من أسباب التكريم في وطني. فأنا باختصار أكرهك، لأنك هكذا شئت، ولكن أكرهك بمشاعر إنسان ما زال في وسعه أن يحبك لو كنت قد رغبت في حبي. ولم يبق من جميع المشاعر التي امتلأ بها قلبي نحوك سوى الإعجاب بعبقريتك الرائعة، وحب