تمل حياة الفساد؛ ولم يعد هناك لذة في الانحرافات الخارجة على العرف التي أصبحت هي ذاتها عرفاً. فلقد أتخمت المدينة برجال يسلكون مسلك النساء، ونساء يتحرقن شوقاً إلى أن يكن كالرجال. لقد شبعت من الدراما الكلاسيكية وأشكالها الطنانة المتكلفة ورأت حقارة قواد مدام دبومبادور وجنودها أما جند فردريك الإسبارطيين. وكان الاستماع إلى فيلسوف يمجد الفضيلة تجربة منعشة وسيزداد تأثير "الخطاب" الأخلاقي حتى يشارك هو وكتابات روسو الأخرى في إحداث عودة للياقة تكاد تكون ثورية في عهد لويس السادس عشر.
ولم يكن في وسع الفلاسفة أن يتوقعوا هذا. فالذي أحسوا به في إعلان روسو هو أنه عمل من أعمال الخيانة، لأنه هاجمهم في لحظة خطرهم الأكبر. ففي يناير ١٧٥٩ حظرت الحكومة نهائياً نشر الموسوعة أو بيعها. وحين ندد روسو بأخلاق باريس رماه أخصائه القدامى بالنفاق. وقد تذكروا مطاردته لمدام دودتو، وحين ندد بالمسرح نوهوا بأنه كتب "كان القرية" و "نارسيس" للمسرح، وأنه كان يختلف إلى المسرح. ورفض سان-لامبير برسالة جافية (١٠ أكتوبر ١٧٦٨) نسخة "الخطاب" التي أرسلها إليه روسو:
"لا أستطيع قبول هديتك، ولعل لك عذراً-على غير ما أعلم-في الشكوى من ديدرو، ولكن هذا لا يعطيك حق إهانته علناً. فأنت لا تجهل طبيعة الاضطهاد التي يعانيها .... ولست أملك يا سيدي إلى أن أقول لك إن هذا العمل الشائن الذي اقترفته صدمني كثيراً … كلانا يختلف في مبادئنا اختلافاً أشد من أن يتيح لنا أن ننسجم. فانسَ أنني موجود … وأني أعدك بأن أنسى شخصك، ولا أذكر عنك شيئاً إلا مواهبك"(٥٠).
على أن مدام ديينيه حين عادت من جنيف شكرت روسو على النسخة التي بعث بها إليها، ودعته للعشاء فذهب، والتقى بسان-لامبير ومدام دودتو آخر لقاء.
ووافاه من جنيف أكثر من عشرة خطابات ثناء. وحظر قضاة جنيف على فولتير عرض أي مسرحيات على أرض جنيف بعد أن شجعهم موقف روسو. ونقل فولتير مواهبه المسرحية إلى تورنيه. وانتقل هو إلى فرنيه. وأحس