ولكن اللاهوت كان مثاراً صغيراً للجدل في حجة روسو، أما همجيته الأمامية فكانت على اقتراح دلامبير بأن يصرح بإقامة مسرح في جنيف. هنا لم يكن العدو الخفي هو دالامبير، بل فولتير. فولتير الذي حجب سناء شهريته نزيلاً بجنيف، فخر روسو بمواطنته الجنيفية، حجباً أثار حنقه، فولتير الذي جرؤ على تقديم التمثيليات في جنيف أو قربها، والذي حث لامبير بلا شك على أن يضمن مقالاً في الموسوعة نداء بإنشاء مسرح جنيفي. فماذا؟ أتدخل في مدينة اشتهرت بأخلاقها البيورتانية ضرباً من اللهو. كان في كل مكان تقريباً يمجد الفساد الخلقي؟ أن الدرامات المحزنة تصور جريمة دائماً، وهي لا تظهر العواطف ما ظن أرسطو، بل تلهبها، ولاسيما عواطف الجنس والعنف. وأما التمثيليات الهزلية فنادراً ما تعرض الحب الزوجي النقي، وكثيراً ما تهزأ بالفضيلة، كما فعل حتى موليي في مسرحيته "مبغض البشر". وكل الناس عليمون بأن الممثلين يحيون حياة العربدة والفساد، وأن معظم ممثلات المسرح الفرنسي الفاتنات هن مضرب الأمثال في فوضى الجنس، وبؤر ومصادر الفساد في مجتمع يعبدهن. وربما كانت شرور المسرح هذه في المدن الكبيرة مثل باريس ولندن لا تؤثر إلا في شطر صغير من السكان، أما في مدينة صغيرة كجنيف (لا يسكنها أكثر من ١٤. ٠٠٠ نسمة) فإن سمومها تتغلغل في جميع الطبقات، وتثير العروض أفكاراً مولعة بالجديد وحرباً بين الأحزاب (٤٨).
وإلى هنا كان روسو يردد الرأي البيورتاني أو الكلفني في المسرح، ويقول في فرنسا عام ١٧٥٨ ما قاله من قبل ستيفن جوسون في إنجلترا عام ١٥٧٩، ووليم يرين عام ١٦٣٢، وجريمي كوليار عام ١٦٩٨. ولكن روسو لم يقتصر على التنديد. فهو لم يكن بيورتانياً؛ ومن ثم دعا إلى الرقص والمراقص تحت رعاية الدولة وإشرافها. وقال إنه ينبغي أن توفر أسباب الترفيه العامة ولكن من ونوع اجتماعي وصحي، كالرحلات الخلوية، والألعاب في الهواء الطلق، والمهرجانات، والاستعراضات (هنا أضاف روسو وصفاً نابضاً بالحياة لسباق زوارق على بحيرة جنيف)(٤٩).
ويقول لنا روسو أن الحطاب "أصاب نجاحاً كبيراً" فقد بدأت باريس