يأتي عملاً مجنوناً ثم يحاول أن يثوب إلى رشده (٦٥). وسان-برو إنسان متزمت أشد التزمت بالقياس إلى لفليس الوغد السافر كما صوره وتشاردسن. وهو الآخر لابد أن ينطق بلسان روسو، فهو يصف باريس بأنها دوامة من الشرور-غنى فاحش، وفقر مدقع، وحكومة عاجزة، وهواء فاسد، وموسيقى رديئة، وأحاديث تافهة، وفلسفة باطلة، وانهيار كامل تقريباً للدين، والفضيلة، والزواج، وهو يردد مقال روسو الأول عن صلاح الإنسان الفطري وتأثيرات الحضارة المفسدة المحطة، ويهنئ جولي وفولمار على إثارهما حياة الريف الهادئة الصحية في كلارنس.
أما فولمار فأكثر الأشخاص أصالة في معرض روسو. فمن كان النموذج الذي حاكه المؤلف على غراره؟ لعله دولباخ، "الملحد اللطيف"، والبارون الفيلسوف، والمادي الفاضل، والزوج الوفي لزوجة واحد ومن بعدها لأختها. أو لعله سان-لامبير، الذي صدم روسو بتبشيره بالإلحاد، ولكنه صفح عنه لمغازلته خليلته. ويعترف روسو صراحة باستخدامه النماذج الأصلية الحية والذكريات الشخصية:
"إن قلبي المفعم بما وقع لي، والذي لم يزل جياشاً بالكثير من الانفعالات العنيفة، أضاف الشعور بآلامه إلى الأفكار التي أوحى إلي بعها التأمل … وعلى غير وعي مني وصفت المواقف التي كنت فيها آنئذ، ورسمت صوراً لجريم، ومدام ديينيه، ومدام دودتو، وسان-لامبير، ولشخصي (٦٦) ".
وخلال لوحات الأشخاص هذه عرض روسو جوانب فلسفته كلها تقريباً. فأعطانا صورة مثالية للزواج السعيد، ولضيعة تدار بكفاية، وعدالة، ورحمة؛ ولأطفال بيربون ليكونوا مزيجاً مثالياً من الحريو والطاعة، ومن ضبط النفس والذكاء. واستبق الحجج التي سيوردها في كتابه "إميل": أن يوجه التعليم أولاً لتربية البدن ليكون صحيحاً، ثم لتربية الخلق ليعود النظام الصارم، وبعد ذلك فقط لتربية الذهن ليعود الجدل العقلي. تقول جولي