"إن السبيل الوحيد لجعل الأطفال طيعين ليس سبيل الجدل العقلي معهم، بل إقناعهم بأن الجدل العقلي فوق سنهم (٦٧). وينبغي ألا نلجأ إطلاقاً للجدل العقلي، أو ألا يكون هناك أي تعليم عقلي، قبل سن البلوغ. وحرصت القصة حرصاً شديداً على مناقشة الدين. فترى إيمان جولي يغدو الأداة لخلاصها، وقد ألهمها الاحتفال الديني الذي قدس زواجها إحساساً بالتطهر والوفاء. ولكنه إيمان بروتستانتي خالص ذلك الذي يشيع في الكتاب. فسان-برو يسخر مما يبدو له من نفاق القساوسة الكاثوليك في باريس؛ ويندد فولمار بعزوبة الكهنة لأنها قناع يخفي وراءه الفجور، ويضيف روسو بشخصه هذه العبارة: "إن فرض العزوبة على جماعة كبيرة مثل قساوسة الكنيسة الكاثوليكية الرومانية ليس لمنعهم من أن يكون لهم زوجات، بقدر ما هو لأمرهم بأن يقنعوا بزوجات غيرهم من الرجال (٦٨)". ويصرح روسو بهذه المناسبة بتأييده للتسامح الديني، ويبسطه حتى على الملحدين، "أن المؤمن الحقيقي لا يتعصب ولا يضطهد غيره. ولو كنت قاضياً؛ ولو قضى القانون بعقوبة الموت على الملحدين؛ لبدأت بحرق كل مبلغ يشي بإنسان آخر، لأنه هو نفسه ملحد (٦٩) ".
وكان للقصة تأثير بالغ في تنبيه أوربا لمفاتن الطبيعة وروائعها. ففي فولتير؛ وديدرو، ودالامبير، لم تشجع حمى الفلسفة وحياة الحضر الإحساس المرهف بجلال الجبال وجمال ألوان السماء. أما روسو فقد تميز بولادته في أحضان أروع مناظر أوربا وقعاً في النفوس. وكان قد مشى من جنيف متجولاً في سافوي عبر الألب إلى تورين، ومن تورين إلى فرنسا؛ واستمتع بمشاهد الريف وأصواته وعبيره؛ وأحس بكل شروق شمس كأنه انتصار الإله على الشر والشك. وقد تصور توافقاً صوفياً بين حالات مزاجه والمزاج المتغير للأرض والهواء؛ وعانقت نشوة حبه كل شجرة وزهرة، وكل ورقة عشب. وتسلق الألب إلى نصف ارتفاعها، ووجد نقاء في الهواء، خيل إليه أنه يطهر أفكاره ويجلوها. وقد وصف هذه التجارب بإحساس وحيوية جعلا من تسلق الجبال، ولا سيما في سويسرا، رياضة من أكبر رياضات أوربا.