ولم يحدث من قبل في الأدب الحديث أن ظفر الوجدان، والعاطفة المشبوبة، والحب الرومانسي، بمثل هذا العرض والدفاع المستفيضين البليغين. فلقد أعلن روسو، في تمرده على عبادة العقل من بوالو إلى فولتير، مكانة الوجدان العليا وحقه في أن يسمع في ترجمة الحياة وتقييم القصائد، وبرواية "هلويز الجديدة" أعلنت الحركة الرومانسية تحديها للعصر الكلاسيكي. وقد سبقتها بالطبع لحظات رومانسية حتى في عز الكلاسيكية، مثال ذلك أن أوتوريه دورفيه داعب الريفي في قصته "لاستريه"(١٦١٠ - ١٦٢٧)، وأن الآنسة سكوديري أسهبت في وصف الغراميات في قصتها "أرطمين، أو قورش العظيم"(١٦٤٩ - ١٦٥٣)، كذلك زاوجت مدام دلا فييت في الحب والموت في قصتها "أمير كليف"(١٦٧٨)، وأدخل راسين هذا الموضوع في مسرحيته "فيدر"(١٦٧٧)، وهي قمة العصر الكلاسيكي، ونحن نذكر كيف ورث روسو الروايات الغرامية القديمة عن أمه، وقرأها مع أبيه. أما جبال الألب فإن البرشت فون هاللر كان قد تغنى بجلالها (١٧٢٩)، كذلك تغنى جيمس طومسن بجمال الفصول ورهبتها (١٧٢٦ - ١٧٣٠). ولابد أن جان-جاك قرأ قصة بريفوست "مانون لسكو"(١٧٣١)، وأحاط علماً برواية رتشاردسن "كلاريسا" في ترجمة بريفوست (١٧٤٧ - ١٧٤٨)(لأنه كان يقرأ الإنجليزية بصعوبة). ومن قصة الإغواء تلك إلى ألفي صفحة (ولم تكتمل بعد) اقتبس شكل الرسائل في الرواية لصلاحيته للتحليل النفسي، وكما دبر رتشاردسن لكلاريسا نجية تدعى الآنسة هاو، كذلك دبر روسو لجولي نجية هي ابنة عمها كلير. ولاحظ روسو في غيظ أن ديدرو نشر تقريظاً حماسياً لرتشاردسن (١٧٦١) عقب نشر جولي، فحجب بذلك سناء قصته جولي.
ولا تقل رواية جولي عن كلارسيا أصالة ومآخذ، وهي تسمو عنها كثيراً في أسلوبها والروايتان غنيتان في شطحات الخيال مثقلتان بالمواعظ. ولكن فرنسا، التي تبرز العالم أسلوباً، لم ترَ قط اللغة الفرنسية تتخذ مثل هذا اللون، والحرارة، والنعومة، والإيقاع، فروسو لم يكن مجرد مبشر