"طبقات الناس الأربعة … الذين يسكنون مدينتنا (جنيف)، وطبقتان من هؤلاء فقط تؤلفان الشعب. ولم يفهم كاتب فرنسي آخر … المعنى الحقيقي لكلمة المواطن (٦).
يقول روسو أن القانون، في الحالة المثالية، ينبغي أن يكون التعبير عن الإرادة العامة. فالإنسان بفطرته يغلب عليه الخير، ولكن له غرائز يجب التحكم فيها ليصبح المجتمع أمراً ممكناً. وليس العقد الاجتماعي تمجيد "حالة الطبيعة" فروسو يتكلم لحظة كما يتكلم لوك أو مونتسيكو لا بل فولتير:
"إن الانتقال من حالة الطبيعة إلى الحالة المدنية يتمخض عن تغير ملحوظ جداً في الإنسان، لأنه يحل القانون محل الغريزة في سلوكه، ويضفي على أفعاله، الفضيلة التي كانت تعوزها من قبل. ومع أنه في هذه الحالة (المدنية) يحرم نفسه من بعض المنافع التي تلقاها من الطبيعة. إلا أنه يكسب نظير ذلك منافع أخرى عظيمة جداً؛ فقدراته تحفر حفراً شديداً وتطور تطويراً كبيراً، وأفكاره توسع كثيراً وروحه كلها تسمو سمواً عظيماً. ولولا أن مساوئ حالته الجديدة كثيراً ما تهبط به إلى مستوى أدنى من ذلك الذي تركه، لكان عليه أن يبارك على الدوام تلك اللحظة السعيدة التي نقلته من حالته الأولى إلى غير رجعة، والتي جعلته كائناً-ذكياً وإنساناً بدلاً من أن يظل حيواناً غبياً عديم الخيال (٧).
وهكذا نجد روسو (الذي تكلم يوماً ما كما يتكلم فوضوي لا يفلسف كلامه تماماً) يناصر بكليته قداسة القانون عن الإرادة العامة. فإذا لم يتفق فرد ما كما يحدث في حالات كثيرة-مع تلك الإرادة كما يعبر عنها في القانون، حق للدولة إكراهه على الخضوع (٨). وليس هذا انتهاكاً للحرية لا صيانة لها، حنى للفرد المقاوم، لأنه بفضل القانون وحده يستطيع الفرد في الدولة المدنية أن يتمتع بتحرره من العدوان، والسرقة، والاضطهاد، وتشويه السمعة، وعشرات الشرور الأخرى. ومن ثم فإن المجتمع بإكراهه الفرد على إطاعة القانون إنما "يكرهه على أن يكون حراً" في