الولد كما ربيت الوالد، معاذ الله أن يقوم إنسان غيري بهذه المهمة اللذيذة المقدسة … ولكن واصل مهمة تعليم المعلمين الشابين. ابذل لنا النصح وأشرف علينا. وسيسلس قيادنا لك وسأحتاج إليك ما حييت … لقد أديت واجبك فعلمني كيف أقتدي بك، بينما تستمتع أنت بالفراغ الذي تستحقه جزاء جهودك (٩٧)".
لقد اتفق العالم عموماً بعد قرنين من الثناء، والسخرية، والتجربة على أن "إميل" كتاب جميل موحٍ ومستحيل. فالتربية موضوع ثقيل، لأننا نتذكرها في ألم، ولا نحب أن نسمع المزيد عنها، ونكره أن تفرض علينا من جديد بعد أن أتممنا مدة الخدمة التي فرضت علينا في المدرسة. ومع ذلك فقد صنع روسو من هذا الموضوع المنفر رواية تسحر قارئها. فالأسلوب البسيط، المباشر الشخصي يأسرنا برغم ما شابه من تمجيد بليغ، ونحن ننساق للرواية ونسلم أنفسنا لذلك المعلم الكلي العلم، وأن ترددنا في إسلام أبنائنا له. ذلك أن روسو، بعد أن امتدح حدب الأم وحياة الأسرة، يأخذ إميل من أبويه وينشئه في عزلة مضادة للفساد عن المجتمع الذي لابد له من العيش فيه بعد حين. وروسو لم يربِ أطفالاً قط، لذلك لا يعلم أن الطفل المتوسط هو بـ "الطبيعة" لص صغير، غيور، جشع، مسيطر، ولو انتظرنا حتى يتعلم الانضباط دون أوامر، والاجتهاد دون تعليم، لشب إنساناً سيئ التكيف، بليداً قليل الحيلة، فوضوياً، قذر الجسم أشعث الشعر، لا يطاق. وأنى لنا هؤلاء المعلمون الخصوصيون الراغبون في تكريس عشرين عاماً من حياتهم لتربية طفل واحد؟ تقول مدام دستال (١٨١٠) أن هذا الضرب من العناية والاهتمام … ويضطر كل رجا إلى تكريس حياته كلها لتربية مخلوق آخر، ولا تتاح الحرية في النهاية إلا للأجداد ليهتموا بمصالحهم (٩٨).
وأكبر الظن أن روسو أدرك هذه الصعوبات وغيرها بعد أن أفاق من نشوة تأليف كتابه. فقد جاءه في ستراسبورج عام ١٧٦٥ أحد المتحمسين له وهو يتدفق ثناء وقال له "سيدي إنك ترى رجل ينشئ أبناءه على المبادئ التي أسعده أن يتعلمها من كتابك إميل". وقال روسو