رسالة روسو إلى قصة حب مثالية التصوير ولكنها مبهجة، تروى ببراعة كاتب قدير. فبعد تلك الأحاديث المسهبة في التعليم والسياسة والدين، يعود إلى الشاعرية والخيال، وبينما تنكب تريز على أشغال بيتها، يعاود أحلامه بتلك المرأة الرقيقة التي لم يجدها إلا في لحظات متفرقة من جولاته، ويطلق عليها اسماً اشتقه من آخر غرام أشتعل في قلبه.
وصوفي الجديدة هذه ابنة سيد كان يوماً ما ثرياً، يعيش الآن في عزلة وبساطة قانعتين. فتاة صحيحة الجسم، جميلة، محتشمة، رقيقة-ونافعة وتعين أمها بكفايتها السريعة الهادئة في كل شيء "ما من شيء لا تستطيع عمله بإبرتها (٩٥) ". ويجد إميل المبرر لمعاودة لقائها، وتجد هي المبرر لمزيد من زياراته. وشيئاً فشيئاً يتضح له أن صوفي حائزة لكل الفضائل التي صورها له معلمه في صورة مثالية. فيا للصدفة الإلهية! وبعد أسابيع يصل إلى القمة التي تدير رأسه، قمة لثم هدب ثوبها. وما هي إلا أسابيع أخر حتى يخطبها. ويصر روسو على أن تكون الخطبة احتفالاً رسمياً مهيباً فيجب أن نتخذ كل التدابير-بالطقوس وسواها-للتسامي بقدسية رباط الزوجية وإقرارها في الذاكرة، وبينما يرتعش إميل وهو على حافة النعيم، يحمله معلمه العجيب الذي يضرب بالحرية والطبيعة عرض الحائط على ترك خطيبته والغياب عنها عامين والسفر امتحاناً لمحبتهما ووفائهما. ويبكي إميل ويصدع للأمر "فإذا عاد وهو محتفظ بعذريته كأنما بمعجزة وجد صوف عفيفة في وفاء، فيتزوجان، ويرشدهما المعلم إلى واجبات الواحد نحو صاحبه. فيطلب إلى صوفي أن تطيع زوجها إلا فيما يتصل بالفراش والمأكل "ستهيمنين عليه طويلاً بالحب إذ جعلت وصلك له نادراً غالياً … وليكرم إميل عفة زوجته دون أن يشكو من برود عاطفتها (٩٦). ويختتم الكتاب بنصر ثلاثي:
"ذات صباح" يدخل إميل حجرتي ويعانقني قائلاً: "هنئ ابنك يا أستاذي فهو يأمل أن يحظى بعد قلي بشرف الأبوة. وما أعظم المسئولية التي سنحملها وما أشد حاجتنا إليك؟ ولكن معاذ الله أن أدعك تربي