وفي ١١ يونيو مزق وحرق إميل كما نص الأمر، ولكن روسو كان قد وصل إلى سويسرا. أمرت الحوذي أن يقف لحظة دخولي إقليم برن وخرجت من مركبتي، وخررت على وجهي، وقبلت الأرض وصحت في غمرة فرحي:
ولم يكن مطمئناً كل الاطمئنان. فواصل ركوبه إلى إيفردون، قرب الطرف الجنوبي لبحيرة نوشاتل، في مقاطعة برن، وهناك مكث شهراً مع صديقه القديم روجان. أيبحث عن منزل في جنيف؟ ولكن في ١٩ يونيو أدان مجلس الخمسة والعشرين الذي يحكم جنيف كلاً من "لإميل" والعقد الاجتماعي" لأنهما خارجان على التقوى، فاضحان، وقحان، مفعمان بالتجاديف والافتراءات على الدين. وقد جمع المؤلف تحت ستار الشك كل ما من شأنه أن يضعف المقومات الرئيسية للدين المسيحي المنزل، ويهزها ويهدمها … ويتعاظم خطر الكتابين ووجوب شجبهما لأنهما مكتوبان بالفرنسية (لا باللاتينية التي لا تعرفها غير القلة) بأسلوب شديد الإغراء، منشوران باس مواطن جنيفي (٥).
وعليه فقد أمر المجلس بحرق الكتابين، وحرم بيعهما، وأصدر مرسوماً بالقبض على روسو إذا دخل يوماً ما أرض الجمهورية. ولم يتعرض قساوسة جنيف على هذا التبرؤ من أشهر أبناء جنيف الأحياء. ولا ريب في أنهم شعروا بأن أي عطف يبدونه لمؤلف "إعلان بإيمان كاهن سافوى"، سيؤكد ما كشفه دالامبير عما يبطنونه من ميول للتوحيد، وانقلب عليه يعقوب فيرن الذي ظل صديقاً له سنين كثيرة، وطالب بأن يسحب روسو أقواله. يقول روسو وهو يذكر ذلك الموقف "لو سرت بين الجماهير أي شائعة عني لأضرت بي، وقد عاملني كل مروجي الإشاعات والمتفيقهين كأنني تلميذ مهدد بالجلد لأنه لم يحسن حفظ درسه الديني (٦)".
وتأثر فلوتير من موقف غريمه، فلقد قرأ إميل، وتعليقاته ما زالت ترى على نسخته المحفوظة بمكتبة جنيف. وفي خطاب مؤرخ ١٥ يونيو كتب عن الكتاب "إنه خليط تهرف به مرضعة بلهاء في أربعة مجلدات بها أربعون