يبدون فيها أمام الناس فلا يعرفون إلا أن يكذبوا. وهم ليسوا مخادعين غشاشين أمام وجوه البشر فحسب، بل إنهم لا يخجلون من أن يعقبوا كل من يأبون أن يكونوا غشاشين كذابين علانية مثلهم، مخالفين في ذلك ضمائرهم (٣٩)".
وهذا الخلاف بين ما نؤمن به وما نبشر به هو سر الفساد في الحضارة العصرية. أن هناك تحيزات ينبغي أن نحترمها على ألا تحيل التربية إلى خداع هائل وتقوض الأساس الخلقي للمجتمع (٤٠). فإذا أصبحت هذه التحيزات قتالة فهل نسكت على جرائمها؟.
"لست أقول، ولا أرى، أن الدين الحسن لا وجود له … ولكن الذي أقول له .... أنه ما من دين من الأديان التي سادت لم يثخن الإنسانية بالجراح. وكل المذاهب عذب بعضها بعضاً وكلها قدم لله قربان الدم البشري. وأياً كان مبعث هذه التناقضات فهي قائمة، فهل من الإجرام الرغبة غب إزالتها (٤١)؟ ".
وقبيل ختام رده دافع روسو عن إميل دفاع المحب المتيم بكتابه، وتسائل لم لم يقم لمؤلفه تمثال.
"هبني ارتكبت بعض الأخطاء، لا بل كنت دائماً مخطئاً، أفلا شفاعة لكتاب يشعر المرء في كل جزء فيه-حتى في أغلاطه وحتى في الضرر الذي قد يكون فيه-بالحب الصادق للخير وبالغيرة على الحق؟ .. كتاب لا يشع غير السلام، واللطف، والصبر، وحب النظام، وطاعة القوانين في كل شيء، حتى في أمر الدين. كتاب تؤكد فيه قضية الدين تأكيداً رائعاً، وتحترم فيه مكارم الأخلاق احتراماً كبيراً .... ويصور الشر فيه على أنه حماقة، والفضيلة على أنها شيء محبب للنفوس … أجل، إنني لا أخشى أن أقولها .. فلو أن في أوربا حكومة وحدة مستنيرة حقاً .. لخلعت على مؤلف إميل أسباب التشريف العلنية، ولأقامت له تمثالاً … ولكن خبرتي الكبير بالبشر تمنعني من أن أتوقع تقديراً كهذا وأنا لم أعرفه معرفة تكفي لأن أتوقع ذلك الذي أتوه".