لأمراضه" ثم وجد ملاذاً آخر الأمر عند "ملك مستنير ذائع الصيت" وانزوى في قرية صغيرة رابضة بين جبال سويسرا، ظاناً أنه في النهاية، واجد العزلة والهدوء، ولكن طاردته حتى هناك لعنات الكهنة .. أن رئيس الأساقفة هذا "الرجل الفاضل، النبيل النفس، الكريم المحتد"، كان ينبغي أن يوبخ هؤلاء المضطهدين، ولكنه بدلاً من هذا أصدر الأذن في غير خجل، "وهو الذي كان يجب أن يدافع عن قضية المظلومين (٣٦) .. "
وأحس روسو أن أشد ما ساء رئيس الأساقفة هو تعليم روسو أن الناس يولدون أخيار، أو غير أشرار على الأقل، وقد أدرك بومون أنه لو كان هذا حقاً، ولو لم يكن الإنسان ملوثاً منذ مولده بوراثته خطيئة آدم وحواء، لسقط التعليم بكفارة المسيح، وهذا لتعليم لب العقيدة المسيحية. ورد روسو بأن تعليم الخطيئة الأصلية لم يذكر بوضوح في أي مكان من الكتاب المقدس. وقد أدرك أن رئيس الأساقفة قد صدمه الاقتراح بتحايل تعليم الدين، فرد بأن تربية الأطفال على أيدي الراهبات والقساوسة لم تقلل من الخطيئة أو الجريمة، فهؤلاء الأطفال بعد أن يكبروا يفقدون خوفهم من الجحيم، ويؤثرون لذة صغيرة حاضرة على الجنة التي وعدوا بها. ثم ما بال هؤلاء القساوسة أنفسهم-أتراهم نماذج للفضيلة في فرنسا المعاصرة (٣٧)؟ ومع ذلك "فأنا مسيحي، مسيحي بإخلاص، طبقاً لتعليم الإنجيل، لا مسيحي متلمذ للقساوسة، بل تلميذ للمسيح". ثم أضاف روسو وعينيه على جنيف "إنني في سعادة بالولادة في أقدس وأعقل دين في الأرض، ما زلت متعلقاً تعلقاً لا انفصام فيه بأيمان آبائي. وأنا مثلهم أتخذ من الأسفار المقدسة والعقل القواعد الوحيدة بأيماني (٣٨) … " وأحس بلوم من أخبروه بأنه "مع أن كل أصحاب العقول الذكية يفكرون كما تفكر، فأنه ليس من الخير أن يفكر العوام على هذا النحو".
"ذلك ما يتصايحون به عليّ من كل جانب، ولعله ما كنت نفسكَ قائله لي لو كنا وحيدين في مكتبك. هكذا الناس، فهم يغيرون لغتهم مع ملابسهم، ولا يقولون الحق إلا وهم في أروابهم، أما في ثيابهم التي