بالهجوم عليهما جميعاً. وراح الرومانسي الخجول الذي نبذ من قبل جماعة الفلاسفة يكرر الآن حججهم بجرأة مستهترة.
وأستهل رده بسؤال ما زال يسأله جميع الخصوم بعضهم لبعض في هذا الجدل الذي لا ينتهي. "لم يتحتم عليّ أن أقول أي شيء لك يا صاحب النيافة؟ وأي لغة مشتركة يمكننا أن نتحدث بها، وكيف نستطيع أن يفهم الواحد منا الآخر (٣٢)؟ وأبدى أسفه لأنه ألف كتاباً على الإطلاق، وهو لم يفل إلا حين بلغ الثامنة والثلاثين، وقد جره إلى هذه الغلطة أنه لاحظ مصادفة ذلك "السؤال التعس" الذي وجهته أكاديمية ديجون، ودفعه نقاد المقال إلى الرد عليهم، ثم أفضى كل جدل إلى جدل جديد … فألفيتني، إن جاز التعبير أغدو مؤلفاً في سن يهجر فيها المؤلفون التأليف عادة .. ومنذ ذلك الحين إلى اليوم اختفت الراحة والأصدقاء (٣٣) ". وزعم أنه في حياته كلها كان:
"أكثر حماسة مني استفادة .. ولكني كنت مخلصاً في كل شيء .. بسيطاً طيعاً، وإن كنت مرهف الحس ضعيفاً أفعل الشر كثيراً وأحب الخير دائماً .. أتبع عواطفي أكثر من مصالحي .. أخشى الله دون أن أخشى الجحيم .. أجادل في الدين ولكن دون إباحة. لا أحب الكفر ولا التعصب، ولكن أمقت المتعصبين أكثر مما أمقت الملحدين .. وأعترف بأخطائي لأصدقائي وأعلن آرائي للعالم كله (٣٤) ".
وأحزنته إدانة الكاثوليك لإميل أقل مما أحزن إدانة الكلفنين. فهو الذي كان يعتز بلقبه "مواطناً جنيفياً" هرب من فرنسا أملاً في أن يتنفس في مسقط رأسه نسيم الحرية، وأن يجد من الترحيب ما يعزيه عما لقي من إذلال كثير. أما الآن "فمادا أقول؟ إن قلبي ينفلق؛ ويدي ترتعد، والقلم يسقط منها، وعليّ أن أصمت .. ويجب أن أجتر في الخفاء أشد أحزاني مرارة (٣٥). فها هو الرجل الذي اجترأ في قرن اشتهر بالفلسفة، والعقل والإنسانية، على أن يدافع عن قضية الله، هاهو قد وسم؛ وحرم وطورد من بلد إلى بلد، ومن ملجأ إلى ملجأ، دون اكتراث لفقره، ولا رحمة