للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كلها تكون قد تحدثت عبثاً بعظمة الخالق .. وأن كل تعليم خلقي سيفقد مساندة الإيمان الديني. ولكن الإنسان ليس بطبيعته خيراً كما زعم المؤلف. فهو يولد ملوثاُ بالخطيئة الأصلية، وهو يشارك في إفساد البشرية العام. والمعلم الحكيم-وخير المعلمين كاهن ترشده النعمة الإلهية-يتوسل بكل وسيلة سليمة ليغذي دوافع الخير في الناس، ويقتلع دوافع الشر، ومن ثم فهو يطعم الطفل بلبن الدين الروحي، لكي ينمو نحو الخلاص .. وبهذا التعليم وحده يمكن أن يغدو الطفل عابداً مخلصاً للإله الحق، وواحداً من رعايا الملك الأوفياء (٢٩). وأن الكثير من الخطايا والجرائم ليظل باقياً حتى بعد هذا التعليم المجتهد، فما بالك بها إذا حرم الطفل منه. إن سيلاً عارماً من الشر يغرق في هذه الحالة (٣٠) ".

وقال رئيس الأساقفة في ختام كلامه إنه لهذه الأسباب:

"بعد استشارة عدة أشخاص عرفوا بورعهم وحكمتهم، وبعد التضرع لاسم الله القدوس، ندين هذا الكتاب لأنه يحوي تعليماً بغيضاً من شأنه أن يقلب القانون الطبيعي وأسس الدين المسيحي، وأن يرسي مبادئ تناقض تعليم الأناجيل الخلقي، وينحوا إلى تكدير سلام الدول. وتزعم الثورة على سلطان الملك، ولأنه يتضمن الكثير جداً من الدعاوى الباطلة المفترية المفعمة بالحقد على الكنيسة ورعاتها .. لذلك نحظر صراحة على جميع الأشخاص في أسقفيتنا أن يقرؤوا الكتاب المذكور أو يقتنوه، وإلا وقعوا تحت طائلة العقاب (٣١) ".

وطبع هذه الرسالة "بامتياز الملك" وسرعان ما وصلت إلى موتيه-ترافير. وقرر روسو أن يرد عليها، وهو الذي كان على الدوام مصمماً على الكف عن الكتابة. وقبل أن يضع قلمه (١٨ نوفمبر ١٧٦٢) كان قد أطلق له العنان حتى بلغ الرد ١٢٨ صفحة، وطبع بأمستردام في مارس ١٧٦٣، بهذا العنوان: "من جان-جاك روسو المواطن الجنيفي إلى كرستوف ديمومون رئيس أساقفة باريس". وسرعان ما أدانه برلمان باريس ومجمع جنيف. ورد روسو على الهجوم الذي شنه عليه مذهلا أوربا الكبيران