فيريهم أنهم أريوسيون، سوسينيون، فيقول هذا، ويحسب أنه بهذا القول يشرفهم ولكنه لا يدرك أنه يعرض مصالحهم الدنيوية للخطر، وهو الأمر الوحيد الذي يقرر على العموم إيمان البشر في هذه الدنيا (٤٨)".
وفي الخطاب الثالث تناول اتهامه برفض المعجزات. فنحن إن عرفنا المعجزة بأنها خرق لقوانين الطبيعة، فلن نستطيع أبداً أن نعرف هل الشيء معجزة أم غير معجزة، لأننا لا نعرف كل قوانين الطبيعة (٤٩). فحتى في ذلك العصر كان كل يوم يشهد معجزة جديدة يحققها العلم، لا مخالفاً بذلك قوانين الطبيعة، بل بفضل معرفته بها معرفة أعظم.
كان الأنبياء في قديم الزمان يستنزلون النار من السماء بكلمتهم، أما اليوم فالأطفال يفعلون هذا بقطعة صغيرة من الزجاج (المشتعل). إن يشوع أوقف الشمس، وأي واضع للتقاويم يستطيع الوعد بمثل هذه النتيجة إذا حسب كسوف الشمس (٥٠). وكما أن الأوربيين الذين يجرون عجائب كهذه بين الهمج يعدهم هؤلاء آلهة، فكذلك معجزات الماضي-حتى معجزات المسيح-ربما كانت نتائج طبيعية فسرتها الجماهير خطأ بأنها تعطيلات إلهية للقانون الطبيعي (٥١). ولعل لعازر الذي أقامه المسيح من بين الأموات لم يكن في حقيقة الأمر ميتاً. ثم، كيف أن تثبت معجزات معلم صدق تعليمه، إذ كان معلمو التعاليم المعتبرة عموماً تعاليم كاذبة قد أجروا معجزات قيل إنها أيضاً حقيقية، كما حدث حين بارى سحرة مصر هارون في تحويل هارون في تحويل العصي إلى حيات؟ (٥٢). أن المسيح حذر من "المسحاء الكذبة" الذين يعطون آيات عظيمة وعجائب (٥٣).
كان روسو قد بدأ خطاباته بغرض مساعدة المحتجين من رجال الطبقة الوسطى، ولم يطلب توسيعاً لحق الانتخاب في اتجاه ديمقراطي، لا بل إنه في الخطاب الرابع يلتزم بالرأي بأن الأرستقراطية المنتخبة هي خير أشكال الحكم، وأكد لحكام جنيف أن المثل الأعلى الذي رسمه في "العد الاجتماعي" كان في صميمه متفقاً مع الدستور الجنيفي (٥٤). ولكن في الخطاب السابع أخبر أصدقاءه من البرجوازية المحتجة أن الدستور لا يقر سيادة المواطنين