أسرة الوكيل في مكان لا يتيح انعزاله "لا للجمهور ولا لرجال الكنيسة تكديره (٨٨) ". "وخيل إليه أنني سأكون في تلك الجزيرة أشد انعزالاً عن الناس .... وأن البشر سيكونون أسرع نسياناً لي (٨٩) ". ورغبة في تغطية نفقاته أعطى الناشر دوبير حق نشر كل كتبه؛ "وجعلته مستودع جميع أوراقي؛ بشرط صريح هو ألا يستعملها إلا بعد موتي؛ لأن غاية أماني كانت أن أختم حياتي في هدوء؛ دون أن أفعل شيئاً يعيدني مرة أخرى إلى ذاكرة الجماهير (٩٠) ". وعرض عليه المرشال كيت معاشاً قدره ألف ومائتا جنيه؛ فوافق أن يأخذ نصفه. ودبر معاشاً آخر لتريز واستقر معها على الجزيرة وهو لا يتوقع من الحياة شيئاً آخر. وكان الآن في سنته الثالثة الخمسين.
وبعد ثلاثة عشر عاماً- في آخر سنة من عمره-ألف كتاباً من أروع كتبه اسمه "أحلام متجول وحيد" وصف في بلاغة مخففة معيشته على جزيرة سان-بيير "كانت أول وأهم متعة أتوق إلى تذوقها بكل حلاوتها هي حياة الدعة اللذيذة (٩١) ". وقد رأينا في غير هذا الموضع مبلغ إعجابه بلينايوس؛ أما الآن، وفي بيده أحد كتب عالم نبات سويدي؛ فقد بدأ يعدد ويدرس النباتات التي وجدها على ملكه الصغير. أو كان إذ صحى الجو يفعل كما يفعل تورو على بركة فولدن:
"كنت أرتمي وحيداً في زورق أجدف به إلى وسط البحيرة حين يكون الماء هادئاً. هناك؛ وأنا ممدد بطولي كله في الزورق؛ وعيناي إلى السماء كنت أترك نفسي للماء يحملني هوناً كما يشاء؛ ساعات عدة أحياناً، وأنا غارق في مئات الأحلام المبهجة (٩٢) ".
ولكن راحته لم تطل حتى على هذه المياه. ذلك أن مجلس شيوخ برن أمره في ١٧ أكتوبر ١٧٦٥ بأن يرحل عن الجزيرة والمقاطعة خلال خمسة عشر يوماً. وغلبته الحيرة والهزيمة "فالتدابير التي كنت فد اتخذتها تأميناً لموافقة الحكومة الضمنية، والهدوء الذي تركت فيه لأستقر، وزيارات العديدين