الأرض وكبار رجال الدين) وطبقة "العامة"(وهم أصحاب الحوانيت ومهرة الحرفيين والفلاحين)، ولكن لم تحرز هذه الطبقة الوسطى أية قوة سياسية بعد.
ولم تكن الفوارق الطبقية واضحة ملحوظة إلى حد مؤلم، اللهم إلا في البندقية وجنوه. ففي معظم المدن الإيطالية دخل النبلاء ميدان التجارة أو الصناعة أو المال. وكان في إمكان وصول أي فلاح إيطالي إلى منصب الأسقفية أو البابوية ما شاع عنصراً ديمقراطياً في الحياة الاجتماعية؛ وفي البلاط كان حامل لقب النبالة المهيب يلتقي بالأسقف المتواضع الأصل ويجالسه، وفي الأكاديميات والجامعات كان النبوغ الفكري يرجح الدعاوى الطبقية، وفي صخب الكرنفال كان الرجال والنساء المطمئنون وراء أقنعتهم ينسون مراتبهم الاجتماعية كما ينسون نواميسهم الخلقية. وكان الحديث بين الناس يتسم بالمرح شأنهم في فرنسا، هذا إذا استثنينا إجماعاً متفاهماً عليه بعدم المساس بدين يأتي بالجزية الدولية الإيطالية-حتى من فاتحيها-بنوع خاص.
على أن ذلك الدين كان بريئاً من أي شائبة تزمت، فقد تصالح مع طبيعة البشر ومناخ إيطاليا. وسمح في الكرنفالات بفترة تعطيل للاحتشام، ولكنه جاهد للمحافظة على مؤسستي الزواج والأسرة وحمايتهما من سذاجة النساء وأهواء الرجال. فكانت الفتيات في الطبقات المثقفة يرسلن إلى أحد الأديرة في سن مبكرة-في الخامسة-لا للتعليم أولاً بل لضمان الإشراف الخلقي عليهن. ولم تكن الفتاة التواقة إلى الحرية يطلق سراحها إلا إذا وفر لها صداق وهيئ لها خطيب يوافق عليه أبواها أو أولياؤها ويتقدم لزواجها. وإذا جاز لنا أن نصدق كازانوفا، فإنه كان في استطاعة راهبة شديدة الشوق إلى الرجال أن تغافل أحياناً الرئيسة الأم-أو تغافل الرئيس الأم راهباتها-وتجد سبيلاً للقاء رجل شديد الشوق إلى النساء بين الغسق والفجر، ولكن هذه كانت مغامرات نادرة محفوفة بالخطر. على أننا لا نستطيع أن نطبق هذا الحكم على أخلاقيات الرهبان.
وكان الذكر غير المتزوج إذا لم يستطع إغواء زوجة رجل آخر، يتعامل