ضرورة لأن يهيمن على أصغر القرى الإيطالية خمسون قسيساً أو ستون؟ … أن العدد الضخم من أبراج الأجراس والأديرة يحجب نور الشمس. وهناك مدن يبلغ فيها العدد خمسة وعشرين ديراً لرهبان أو راهبات الدومينكان وسبعة مجامع لليسوعيين، ومثلها للتياتين، ونحو عشرين أو ثلاثين ديراً للأخوة الفرنسيسكان، وما لا يقل عن خمسين أخر من طوائف دينية مختلفة من الجنسين، هذا فضلاً عن أربعمائة أو خمسمائة كنيسة ومصلى (١٩) ".
ولعل هذه الأرقام بالغ فيها الكاتب دعماً لحجته. ونحن نسمع عن أربعمائة كنيسة في نابلي، و٢٦٠ في ميلان، و١١٠ في تورين، على أن هذه دخلت ضمنها المصليات الصغيرة. وكان الرهبان فقراء نسبياً، أما الأكليروس من غير الرهبان فكانوا في جملتهم يملكون ثروة تفوق ثروة النبلاء. وكان الأكليروس في مملكة نابلي يحصلون على ثلث الموارد. وفي دوقية بآرما كان نصف الأرض يملكه الأكليروس، وفي تسكانيا ثلاثة أرباع الأرض تقريباً. وفي البندقية أضافت الوصايا الجديدة في السنوات الإحدى عشرة من ١٧٥٥ إلى ١٧٦٥ إلى الكنيسة من الأملاك ما قيمته ٣. ٣٠٠. ٠٠٠ دوقاتية (٢٠). وكان بعض الكرادلة والأساقفة من أغنى الرجال في إيطاليا، ولكن هؤلاء الكرادلة والأساقفة كانوا أولاً مديرين وحكاماً، ولم يكونوا قديسين إلا أحياناً. من ذلك أن عدة رجال منهم في النصف الثاني من القرن نزلوا عن ثروتهم وترفهم وعاشوا حياة الفقر الاختياري.
أما الشعب الإيطالي فلم يبد منه أي احتجاج ذي بال على ثراء الأكليروس، اللهم إلا قلة من المعلقين والهجائين. لقد كان الشعب فخوراً ببهاء كنائسه وأديرته وأحباره وبدت لهم مساهماتهم ثمناً زهيداً يدفعونه لقاء النظام الذي وفره الدين للأسرة والدولة. وكان في كل بيت صورة أو تمثال للمسيح المصلوب، وآخر للعذراء، وأمامهما تركع الأسرة كلها في صلاة كل مساء-الأبوان والأبناء والخدم. فأي شيء يستطيع الحلول محل التأثير الأخلاقي لتلك الصلوات الموحدة بين القلوب؟ وكان الامتناع