الحكم النمساوي الأكثر رفقاً. ففي ١٧٠٣ أنشأ فرانترتيفن، وفي ١٧٤٦ و١٧٥٥ استكمل فيليتشي وروكليريتشي بمعونة الحكومة، مصانع للنسيج وسعت من إحلال الإنتاج الواسع النطاق الذي يموله ويديره رأس المال محل الحرف والنقابات الحرفية. أما التاريخ الثقافي لميلان فقد لمع فيه الآن اسم جوفاني باتيستا سامارتيني، الذي نستطيع إلى الآن الاستماع إليه أحياناً على أمواج الأثير المتدفقة. ويلاحظ أنه في سمفونياته وصوناناته استبدل بوقار موسيقى كبار الموسيقيين الألمان الكونترابنتي تفاعلاً ديناميكياً بين الموضوعات والحالات النفسية والمتعارضة. وحين وفد الفتى جلوك على ميلان (١٧٣٧) ليشغل وظيفة موسيقي الحجرة للأمير فرانتشسكوملتسي، أصبح تلميذ سامارتيني وصديقه واتخذ طريقه في بناء هيكل الأوبرا. وفي ١٧٧٠ صاح المؤلف الموسيقي البوهيمي يوزف مزلفتشك، وهو يصغي مع موتسارت الشاب إلى بعض سمفونيات سمارتيني في ميلان "لقد وجدت الأب الذي أنجب أسلوب هايدن! (٢٧) "-وهو إذن أحد آباء السمفونية الحديثة.
وأما جنوه فقد كابدت خطوباً في القرن الثامن عشر. كانت تجارتها قد انحطت إثر منافسة المحيطات للبحر المتوسط، ولكن موقعها الاستراتيجي على ربوة دفاعية تطل على ثغر حسن الإعداد لفت الانتباه الخطر من الدول المجاورة. ووقعت الحكومة المحصورة بين أعداء من الخارج وشعب غضوب جاهل من الداخل في أيدي أسر تجارية قديمة تحكم عن طريق مجلس مغلق ودوج مطيع. هذه الأولجركية العاملة على تخليد نفسها في كراسي الحكم أثقلت كاهل الشعب بالضرائب حتى هوى إلى درك الفقر الكئيب الفاقد الصبر، وسيطر عليها وابتزها هي الأخرى بنك سان جورجو. فلما حاصرت قوات سافوي والنمسا المتحالفة جنوه في ١٧٤٦ لم تجرؤ الحكومة على تسليح الشعب ليقاوم خشية أن يقتل الحكام، وآثرت أن تفتح أبوابها للمحاصرين الذين فرضوا تعويضات وفديات جرت عليها الخراب المالي. أما العامة الذين فضلوا المستغلين من بني جلدتهم، فقد ثاروا على الحامية