للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النمساوية، وقذفوها بوابل من البلاط والطوب انتزعوه من الأسطح والشوارع، وطردوها طرداً مخزياً ثم عاود الطغيان القديم سيرته الأولى.

وشيد نبلاء جنوه القصور الجديدة مثل قصر فيراري، وشاركت ميلان في رعاية مصور بلغ شهرة من المرتبة الثانية في عصرنا هذا. فتكاد كل صورة باقية من الصور التي رسمها الساندور ماناسكو ترعنا بأصالة أسلوبها القاتمة. فصورة "بنكينللو يعزف على القيثارة"-جسد مستطيل في بقع مهملة سوداء وبنية، واللوحة الرشيقة المسماة "فتاة وموسيقى أمام المدفأة (٢٩) " ولوحة "الحلاق (٣٠) " تبدو عليه اللهفة على قطع حلقوم زبونه، ولوحة "حجرة طعام الرهبان" الضخمة الشاهدة على ازدهار مطبخ الكنيسة، هذه كلها روائع فنية تذكرنا بالجريكو في أجسادها النحيلة وحيلها الضوئية، وترهص بجويا في فضحها الرهيب لقساوات الحياة، وتنزع إلى الحداثة في احتقارها الخشن للتفاصيل المتكلفة المتزمتة.

وشهدت فلورنسة في هذا العصر نهاية أسرة من أشهر أسر التاريخ. فقد كان حكم كوزيمو الثالث (١٦٧٠ - ١٧٢٣) الذي طلا أمده أرشيدوقاً لتسكانيا نكبة على شعب مازال فخوراً بذكريات عظمة فلورنسة تحت حكم آل مديتشي الأسبقين. وقد سمح كوزيمو هذا الذي تسلط اللاهوت على تفكيره للأكليروس بأن يحكموه ويبتزوا من موارده الهزيلة منحاً سخية للكنيسة. وكان من أثر الحكم المستبد، والإدارة العاجزة، والضرائب الباهظة أن فقدت الحكومة التأييد الشعبي الذي حظيت به الأسرة المالكة طوال مائتين وخمسين عاماً.

وآثر فرديناند بن كوزيمو الأكبر الغواني على رجال حاشيته، ودمر صحته بالإفراط في اللذات، ومات أبتر لا عقب له في ١٧١٣. وكان لكوزيمو ابن يدعى جان (يوحنا) جاستوني أولع بالكتب، ودرس التاريخ والنبات، وعاش حياة هادئة. وفي ١٦٩٧ أكرهه أبوه على الزواج من آن أميرة ساكس لاونبرج، وكانت أرملته فقيرة الثقافة. وذهب جان ليعيش معها في قرية بوهيمية نائية، واحتمل الملل عاماً،