الأوبرات التي ألفت قبل جلوك. فقد تغيرت الأساليب والعادات والأبطال، والأصوات، والجنسان.
ويعرف التاريخ ٥٥٤ من مؤلفات فيفالدي، منها ٤٥٤ كونشرتو. وقد قال ناقد ماكر أن فيفالدي لك يكتب ستمائة كونشرتو، بل هو كونشرتو واحد أعاده ستمائة مرة (٤٧). ويبدو الأمر كذلك أحياناً. ففي هذه القطع قدر كبير من نشر الأوتار ونغمات الأرغن اليدوي المتصلة، وقياس للوقت أشبه بحركات البندول، لا أننا نجد حتى في السلسلة الشهيرة المسماة (الفصول)(١٧٢٥) صحارى من الرتابة، ولكن فيها أيضاً قمماً من الحيوية المشبوبة والعواصف القارصة؛ وواحات من الصراع الدرامي بين العازفين المنفردين والأوركسترا؛ وجداول سائغة من الألحان. في قطع كهذه (٤٨)، أبلغ فيفالدي الكونشرتو الكبير مكانة ممتازة لا سبق لها ولا يبزها إلا باخ وهيندل.
وكان فيفالدي يعاني كمعظم الفنانين من الحساسية التي غذت عبقريته. وقد عكست قوة موسيقاه طبعه الناري، وعكست رقة نغماته تقواه. فلما تقدم به العمر استغرق في واجباته الدينية حتى لقد وصفته رواية مبالغة بها لا يترك مسبحته إلا ليلحن (٤٩). وفي ١٧٤٠ فقد وظيفته في الملجأ الديني أو استقال منها، ولأسباب نجهلها الآن نزح من البندقية إلى فيينا. ولا نعرف المزيد عنه؛ اللهم إلا أنه مات هناك بعد سنة ودفن كما يدفن فقراء الناس.
ومر موته دون ان تلحظه الصحف الإيطالية، لأن البندقية كانت قد كفت عن الاهتمام بموسيقاه، ولم يقدره أحد قدراً يقرب من قمة فنه لا في وطنه ولا في جيله. على أن مؤلفاته لقيت الترحيب في ألمانيا. فاستورد كوانتسي الذي كان عازفاً للفلوت وملحناً لفردريك الأكبر؛ كونشرتات فيفالدي؛ وقبلها بصراحة نماذج تحتذى. واشتد إعجاب باخ بها حتى نقل تسعة منها على الأقل للهاربسكورد، وأربعة للأرغن، وواحداً