للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يخفف بشقه بمبضع المرة تلو المرة. ولكن الصبي فقد من الدم في هذه العملية ما جعل الجراحين يتوقعون موته القريب. ولكنه بقي على قيد الحياة "بفضل الله، ولكن نتيجة لهذه البلية شببت بمزاج مكتئب حاد (٩٨) ". كذلك أصيب بالدرن. ولو كانت العبقرية رهناً بمعوق بدني لكان فيكو موفور الحظ.

وحين بلغ السابعة عشرة (١٦٨٥) كسب قوته بإعطاء الدروس الخصوصية في فاتوللا (قرب سالرنو) لأبناء أخي أسقف اسكيا. ومكث هناك تسع سنين، ولكنه كان أثناءها عاكفاً في حماسة محمومة على دراسة القانون وفقه اللغة والتاريخ والفلسفة. وافتتن على الأخص بقراءة أفلاطون وأبيقور ولوكريتيوس ومكيافللي وفرانسيس بيكن وديكارت وجروتيوس، وخرج من هذا كله بشيء من الأذى لإيمانه الديني. وفي ١٦٩٧ حصل على كرسي أستاذ البيان في جامعة نابلي، ولم يؤجر عليه بأكثر من مائة دوقاتية في العام، زادها بإعطاء الدروس الخصوصية، ومن هذا الدخل كان يعول أسرة كبيرة. وماتت ابنة له في ريعان الصبي، وظهرت على ابن له ميول شريرة اقتضت إرساله إلى إصلاحية للأحداث، أما زوجته فكانت أمية عديمة الكفاية، فكان على فيكو أن يكون الأب والأم والمعلم جميعاً (٩٩). وفي وسط هذه الشواغل المشتتة للفكر كتب فلسفته للتاريخ.

وقد قدم كتابه "مبادئ علم جديد في الطبيعة المشتركة للأمم" (١٧٢٥)، وحاول إن وجد في فوضى التاريخ انتظامات من التعاقب قد تنير الماضي والحاضر والمستقبل. ورأى فيكو أن في استطاعة أن يتبين ثلاث فترات رئيسية في تاريخ كل شعب:

(١) عصر الأرباب الذي اعتقدت فيه الأمم (غير اليهود) أنها تعيش في ظل حكومات إلهية، وأن كل شيء كان بأمر الأرباب عن طريق التكهن والوحي.

(٢) عصر الأبطال حين كانوا يسيطرون على الجمهوريات أرستقراطيةـ، بحكم تفوق في طبيعتهم اعتقدوا أنهم يمتازون به على العامة.