"نار تشيزو" في لندن. ثم نجده بعد عامين في لشبونة قائداً لفرقة المنشدين للملك يوحنا الخامس ومعلماً لأبنة الملك ماريا بربارا، التي أصبحت بفضل تعليمه عازفة ماهرة على الهاربسكورد، ومعظم صوناتاته الباقية ألفها باستعماله. فلما عاد إلى نابلي (١٧٢٥) تزوج وهو في الثامنة والأربعين بماريا جنتيلي التي لم تتجاوز السادسة عشرة، وفي ١٧٢٩ اصطحبها إلى مدريد. في تلك السنة تزوجت ماريا بربارا من فرديناند، ولي عهد أسبانيا. فلما انتقلت معه إلى إشبيلية رافقها سكارلاتي وظل في خدمتها إلى أن ماتت.
وماتت زوجة سكارلاتي في ١٧٣٩ مخلفة له خمسة أطفال. وتزوج ثانية، وسرعان ما أصبح الخمسة تسعة. فلما أصبحت ماريا بربارا ملكة على أسبانيا (١٧٤٦) جلبت أسرة سكارلاتي معها إلى مدريد. وكان فارنيللي الموسيقي الأثير لدى الملك والملكة، ولكن المغني والعازف أصبحا صديقين حميمين. وكانت وظيفة سكارلاتي وظيفة خادم مميز، ويمد البلاط الأسباني بالموسيقى. وحصل على إذن بالذهاب إلى دبلن في ١٧٤٠ وإلى لندن في ١٧٤١؛ ولكنه كان أكثر الوقت يعيش في قناعة هادئة بمدريد أو قربها، متوارياً عن العالم تقريباً، لا يخامره الظن على الأرجح بأنه سيكون أثيراً لدى عازفي البيانو في القرن العشرين.
ولم ينشر سكارلاتي في حياته سوى ثلاثين صوناتا من بين ٥٥٥ صوناتا تستند الآن إليها شهرته استناداً قلقاً بفضل حلياتها النغمية. وقد دل عنوانها المتواضع (تمارين على الهاربسكورد) على هدفها المحدود، وهو ارتياد إمكانات التعبير بتقنية الهاربسكورد. وهي ليست صوناتات إلى بالمعنى الأقدم للفظ، أي قطع آلية "تعزف" ولا تغنى. ولبعضها موضوعات متعارضة، وبعضها تزاوج في مقامات كثيرة وصغيرة، ولكنها كلها في حركة مفردة لم تبذل فيها أي محاولة لتفصيل الموضوع وتلخيصه. وهي تمثل تحرر موسيقى الهاربسكورد من تأثير الأرغن، وتلقى التأثيرات من الأوبرا بمؤلفات للوحة المفاتيح. وقد تفوقت على حيوية أصوات السوبرانو والمغنين ورقتها ورعشاتها وحيلها بالأصابع الخفيفة الرشيقة الطيعة لخيال لعوب مسرف.