لقد "لعب" سكارلاتي الهاربسكود بمعنى الكلمة الحرفي. يقول في هذا:"لا تتوقعوا أي عمق في العلم، بل معابثة بارعة للفن"(١٢٩). وهناك أثر في الرقص الأسباني وما فيه من أرجل طافرة وتنورات مدومة وصاجات رنانة تحسه في هذه التموجات والتدفقات؛ وفي كل موضع من الصوناتات تجد استسلام العازف للذة التحكم في آلته (١٣٠).
ولابد أن هذا الفرح بالآلة كان من بواعث السلوى لسكارلاتي في سنوات خدمته تلك في أسبانيا. وقد نافسته لذة لعب الميسر الذي أتى على الكثير من معاشه، واضطرت الملكة إلى سداد ديونه غير مرة. ثم ساءت صحته بعد عام ١٧٥١، وزادت تقواه وورعه. وفي ١٧٥٤ عاد إلى نابلي ومات فيها بعد ثلاث سنين. وتولى فارنيللي الطيب إعالة أسرته المعوزة.
وقد أرجأنا الكلام على سيرة فارنيللي الغريبة في أسبانيا حتى فصل لاحق. وقد يكون هو ودومنيكو سكارلاتي، وجامباتستا ودومنيكو تيبولو، من الإيطاليين الموهوبين الذين كان لهم الفضل، هم ومنجز المتطلين تقريباً، في استخدام الموسيقى والفن الإيطاليين في البعث الأسباني. وفي ١٧٥٩ لحق بهم ملك نابلي أو يبقهم. ففي ذلك العام مات فرديناند السادس دون عقب، وورث أخوه شارل الرابع ملك نابلي العرش الأسباني باسم شارل الثالث. وأسفت نابلي على رحيله عنها. وكان هذا الرحيل في أسطول من ست عشرة سفينة يوم عطلة حزينة لأهل نابلي، فاجتمعوا في حشود كبيرة بطول الشاطئ ليشاهدوه وهو يقلع، ويروى أن كثيرين منهم بكوا وهو يودعون "ملكاً أثبت أنه أب لشعبه"(١٣١). وقد كتب له أن يتوج أعماله ببث الشباب في حياة أسبانيا.